بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 فبراير 2014

رحلة إلى “الضاية” أو البحيرة الضائعة بين كنوز الجبال






روبورتاج:إسماعيل قاسمي

أن تجد كنزا من كنوز الطبيعة التي لا يعرفها إلا القليل فذلك متعة الاكتشاف، وأن يكون هذا الكنز اسما من أسماء الطبيعة العذراء فذلك إحساس بالبيئة وحب للسياحة البيئية، وأنت تعلم وأنت تستمع لتغريد الطيور وتستنشق الهواء العليل الحاد بنسماته وعبق روائح الأشجار المتنوعة، بأنك تستمتع بأعلى بحيرة على مستوى الجزائر هناك على ارتفاع 1200م سيكون إيمانا بقوة الخالق وروعة إبداعه، سيكون شعورا رائعا بالجمال الطبيعي للجزائر، وستحس بالفخر لأنك محظوظ بين الملايين لأنك تكتشف هذا الكنز الضائع.
بحيرة تمتد على مساحة هكتارين هي أعلى بحيرة في الجزائر ستكون وجهتنا هذه المرة، بوسط جبال الأطلس البليدي بالجهة الغربية في أعاليه بين بلديتي عين الرمانة (البليدة) وتمزقيدة (المدية)، عاد الناس ليكتشفوا هذا الكنز رغم الخلط في كونها تابعة لإحدى البلديتين، وذلك بحسب ما ألفه الناس من زيارتها، فالقادمون من تمزقيدة يسمونها على اسم البلدية، بينما القادمون من سفوح عين الرمانة وموزاية يعتبرونها تابعة لإقليم بلدية عين الرمانة وهو الأصح إداريا. وبعيدا عن كل ذلك تبقى البحيرة واحدة من أهم الروائع البيئية التابعة للحظيرة الوطنية للشريعة وهي محمية عالمية.

الضاية على ارتفاع 1200 متر فوق سطح البحر
في الرحلة الثانية لمجلة تحواس سلكنا الطريق من عين الرمانة إلى جبل تمزقيدة بالسيارة هي طريق ملتوية وليست مهيئة، بعد أن كنا قد اكتشفناها في المرة الأولى سيرا على الأقدام وهي متعة رياضية واستكشافية حقيقية رغم أنها متعبة، كان لابد من المرور عبر ضريح سيدي براهيم ورؤية بعض السكان المتوافدين لزيارة الضريح، بينما نحن كان مرورنا عابرا لأن المسافة لا تزال طويلة ولأننا مصرون على اكتشاف ما ضاع من فرصة على العديد من محبي الطبيعة للتعرف عليه، ورغم ذلك إلا أننا لم نمر بدون التحدث عن إمكانية إقامة مركب سياحي بهذه المنطقة وهو ما علمناه من خلال الصحافة الوطنية.

منطقة سيدي براهيم ويبدو هناك ضريح الولي الصالح
نواصل درب رحلتنا المتسارع على السمو والارتفاع، وكلما زاد ارتفاعنا وابتعادنا عن القرى ومدن سهل المتيجة، نوقف السيارة لننزل ونلتقط بعض الصور ونتحدث عن الجبال التي تقابل الظهرة، شنوة، الساحل وحتى زرقة ميها البحر المتوسط الذي أصبح يبدو جليا. حتى نصل إلى لافتة ترحب بنا في “الحظيرة الوطنية للشريعة” وبين الفينة والأخرى لافتات تنصح بالاهتمام بالبيئة والاستمتاع الإيجابي بمكنوناتها الثرية، تنصح بتفادي التلوث الصوتي، وأخرى تحذر من سرعة الالتهاب بتلك المنطقة الغابة..

لافتة ترحيبية للحظيرة الوطنية للشريعة

                       
وقبل أن نصل إلى البحيرة المنشودة بحوالي الكيلومتر ونصف، نصل إلى المنعرج الفاصل بين المناظر التي تطل على المتيجة (تيبازة، البليدة والعاصمة)، والمناظر التي تطل على الأطلس البليدي من جهة ولاية المدية، عند ذلك المنعرج يوجد مقام الشهيد (تامزقيدة) على ربوة ترتفع ب 1300 متر على سطح البحر، وهو نصب يخلد شهداء المنطقة لننشد معا “من جبالنا طلع صوت الأحرار”. وكأننا في رحلتنا يجب أن نتحدث عن كل ما مررنا عبره، عن قوة الصناعة (المنطقة الصناعية لعين الرمانة) ولزوم الفلاحة في التنمية (فعين الرمانة بلدية فلاحية معروفة)، ونتذكر التاريخ والثقافة والحضارة بتذكر الأولياء الصالحين والشهداء ومراعاة الثقافة الشعبية، ولن نغفل بكل تأكيد الاهتمام بالبيئة والتي هي سر جولتنا.

مقام الشهيد تامزقيدة

                       
الهدوء والسكينة يلازمان المكان، قليلة هي السيارات وهم المستكشفون، السيارة يجب أن تمشي ببطئ بغية الاستمتاع بشكل أكبر بالمناظر البديعة، وحتى لا يفوتك حيوان أو طائر، رؤية كهف ما، والانبهار بالوادي السحيق، تستمتع بعبق روائح الأشجار والغابات، تحس برائعة الهدوء والطمأنينة والابتعاد عن ضوضاء المدينة. للأسف هذه المرة لم نلتق بشخص ما يحمل شيئا من الفاكهة، كتلك الرحلة السابقة  مشيا على الأقدام التي توجنا في آخرها بكمية كبيرة من التوت البري أهدانا إياها أحد الشباب الذي تفاجأ بنا هناك بعد مسيرة طويلة من المشي، ولكن لحسن الحظ هذه المرة أيضا لم نخطئ الطريق كالمرة الفائتة حتى وجدنا أحد أعوان الحرس البلدي الذي كان دليلا لنا إلى الطريق المستقيم.

الضباب يغمر المكان ثم يفسح المجال للشمس الدافئة تارة أخرى
وصلنا إلى أول إطلالة على البحيرة البديعة، وأول ما أخذته على كتفي لكمة من صديقي الذي شكرني على هذا المكان الجميل، وكلمات تعظم الخالق وتوحده سبحانه، بينما كنت أتوق للنزول والتقاط العديد من الصور الفوتوغرافية، كان السائق يلح على عدم التوقف حتى نصل، وفي الأخير تمكنت منه ونزلنا لنستنشق قبله الهواء الطبيعي وروائح النباتات “مرحبا بالطبيعة، تخلصنا من السيارة، من الصناعة، من المدينة…” نناديه من بعيد أن أوقف سيارتك لأنها تلوث المكان، لأنها تزعج الطيور والحيوانات.

عائلات تستمتع باكتشاف النباتات وبعض الحيوانات
لم يكن هناك الكثير من السياح والزوار، ولكن أحد الشباب من بني المنطقة أكد لنا أنهم يتسابقون للمجيء بالخصوص يوم الجمعة حيث يمتلئ المكان ويعج بالسيارات، تبقى العائلات بالقرب من البحيرة، بينما يغامر الشباب باكتشاف المزيد من ضواحيها وغاباتها عبر ثلاث طرق أخرى، واحدة باتجاه بلدية تمزقيدة، أخرى إلى بعض الغابات ومنبع البحيرة “الماء الأكحل”، والثالثة باتجاه منزل قديم غير مأهول ومنطقة تطل على الجانب الآخر من ذلك الارتفاع، حيث تبدو ولايات المدية، عين الدفى وتيبازة والبليدة، ويبدو أيضا سد المستقبل (ببومدفع) وهو المتدفق في وادي بورومي، كان منظرا خلابا خصوصا أنه استقبلنا بغروب شمس بديع.

يتغير الجو كثيرا وسرعان ما ينقشع الضباب مرة أخرى

                          

غادر الجميع المكان، وكنا آخر من يهُمُّ بالانصراف حتى بعد أبناء المنطقة، لنترك بحيرة الضاية، المحمية البيئية العالمية  التي تعد مخزنا متنوعا للثروة الحيوانية والنباتية، أنواع الطيور كاللقلق، النسر الملكي، الحجل، البط، النسور، العقاب والعديد من الطيور المهاجرة،كما تعرف الغابة المحيطة بالبحيرة تنوعا كبيرا في الاشجار والنباتات كشجر البلوط والكستناء والقندول والأعشاب الطبية المختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق