بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 31 يناير 2014

الحايك الجزائري مع سرواله الخاص


                                

الصورة قديمة مأخوذة في القصبة، اين كان يشتهر الحايك العريق بسرواله الخاص المدعو "بوسبعة" والمخيط بسبع امتار من القماش المجموع عن الخصر والكعبين، ضمانا للستر الكامل

التاريخ المبكر للجزائر



دلّت الآثار التي تم اكتشافها بولايات مستغانم وتبسة وقسنطينة على أن الجزائر كانت آهلة بالسكان قبل 500,000 عام. ومع بداية الفترة الألفية الأولى قبل الميلاد، انتظم سكان المنطقة في قبائل استغلت الأراضي والمراعي جماعيًا، وكونت إمارات مثلت المراحل الفينيقية الأولى. ثم تأسست الدولة الجزائرية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد بقيادة سيفاكس ثم مسينيسا، وكانت الحروب البونية قد بدأت بين روما وقرطاج في ذلك الوقت. وقد فتح سقوط قرطاج عام 146 ق.م الطريق أمام روما للتوسع خاصة وأنها كانت لا تستطيع تحمل وجود دولة قوية مستقلة وموحدة كالتي تركها مسينيسا. وقد ساعد تفتت الدولة النوميدية وانقسامها بين الحلفاء المتنافسين روما لاحتلال نوميديا رغم المقاومة الطويلة التي أبداها يوغرطة (يوجورثا) وجوبا الأول، وكان ذلك في عام 25 ق.م. لم يهادن شعب نوميديا الاحتلال لفترة خمسة قرون، وفشلت روما في التوغل أكثر من 150كم من ساحل نوميديا، رغم قوتها في الفترة البيزنطية، وتمكنها من طرد الوندال في عهد جستنيان حتى انحنت أمام الفتح الإسلامي.

الشلف...أرض الخصوبة والحضارات المتعاقبة




هي ثاني الولايات الجزائرية ترتيبا، تقع في غرب الجزائر على مسافة 200 كم من العاصمة ، يحدها من شمال البحر المتوسط ومن الجنوب ولاية تيسمسيلت (بلديات الأزهرية - الأربعاء - بوقايد) أما من الناحية الشرقية كل من ولايتي تيبازة وعين الدفلى ومن الناحية الغربية ولايتي مستغانم (أولاد بوغالم، عشعاشة والنقمارية) وغليزان (مازونة، س.م.بن علي، واريزان ووادي ارهيو).

                          
تنقسم إلى 35 بلدية و 13 دائرة. سميت بهذا الاسم نسبة إلى وادي الشلف المار عبر ترابها، وقيل بأن الواد هو من استمد اسمه منها وأن الكلمة مشتقة من كلمة شليفان أو شيليماث من الفينيقية ومعناها اله فينيقي مختص بالخصوبة والخيرات مع العلم أن واد الشلف من أكبر وأخصب أنهار شمال أفريقيا.
كانت مدينة الأصنام أو (الشلف حاليا) مشد الأنظار عبر العصور لمكانتها، ففي القرن الأول من الميلاد دخل الرومان إلى واد الشلف ومنه أسسوا مدينة (كاستيليوم تانجيتانيوم) وهي مدينة عسكرية وضعت في ملتقى مدخل الجهتين الأساسيتين مدخل " كارتينا" من الشمال الجنوبي (تنس) إلى جبل "أوشواريوم" الونشريسي في سنة 324 تحت حكم قسطنطين، وهوالعهد الذي فرضت فيه الديانة المسيحية، حيث تم بناء معبد كبير زين ببنايات الفسيفساء والذي كان يحتوي بداخله على بقايا الأسقف "سان ريبارتوس" والاسم الذي كان يحمله أحد الأحياء في المدينة.
   يعد ذهاب الرومان وانتهاء فترة الوندال ، عادت المدينة للقبيلة الكبرى قبيلة " المغراويين" وبدأت الفتوحات الإسلامية وتوالت الغزوات على المغرب العربي، وأطلقوا على المدينة اسم "الأصنام" وأخذت هذه التسمية من مخلفات الوندال، وكذلك من آثار الزلزال الذي ضرب المنطقة في أواسط القرن 15 .
وفي القرن السادس عشر يأتي دور حمو القصيري وهو سلف القبيلة العربية ليستقر بسهل الشلف نظرا لما كان يتميز به من موقع إستراتيجي وخصوبة تربته فأهتموا بالفلاحة المتنوعة كما أقاموا المحلات التجارية. و بعد سقوط الحكم العثماني في 1830م على يد المستعمر الفرنسي تم استبدال اسم الأصنام بأورليانفيل تخليدا لــ D.V.C DORLEANS وبعد سقوط الحكومة الفرنسية تم استرجاع تسميتها الإخيرة الأصنام، وكان أول زلزال سنة 1922 م، ثم تلاه زلزال ثان سنة 1934 م ثم ثالث وكان أشد عنف سنة 1954 م وعلى إثر زلزال 10 أكتوبر سنة 1980 تم استبدال اسم الأصنام بالشلف إلى يومنا هذا.

ساهمت هذه الولاية بشكل كبير في إثراء الحضارة العربية الإسلامية بكتابات ومجلّدات العلماء ونذكر منهم : إبراهيم ابن يخلف بن عبد السّلام أبو عشاق التنسي – محمّد ابن عبد الجليل – أبو عبد الله التنسي – سيدي محمّد بن أبهلول – علي المجّاجي(940-1002 هجري) ومجّاجي عبد الرّحمان المجّاجي.


صورة نادرة لجنازة الشيخ عبد الحميد بن باديس


                          


في 16 افريل 1940م، رحل رائد الإصلاح في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس، عن عمر يناهز 51 سنة، تاركا معالم الطريق نحو النهضة الجزائرية، ومؤسسة عريقة لا تزال تنشط إلى يومنا هذا هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

الخميس، 30 يناير 2014

قلعة بني حماد: تحفة تاريخية في عمق الجزائر

  



تعد قلعة بني حماد بالمعاضيد التابعة لولاية المسيلة من رموز شموخ وعظمة الدولة الإسلامية بالجزائرن فهي امتداد لدولة حماد بن بلكين الذي حاول صقل وتثبيت الهوية الإسلامية، ورغم أهمية هذا الصرح التاريخي والإسلامي الكبير إلا أن القلعة كان نصيبها الإهمال والضياع لدرجة باتت في طريقها إلى الزوال·
  يعود تاريخ إنجاز وبناء قلعة بني حماد بالمعاضد بالمسيلة إلى سنة1007 إلى 1008 م على يد حماد بن بلكين الذي اختار مكانا محصنا لقلعته واستراتيجيا فوق سفح جبل "تيقريست" وعلى ارتفاع 1000 متر فوق سطح البحر، وذلك بغية عمليات المراقبة العسكرية للأماكن المجاورة، وقد دامت مدة بناء هذا الصرح الإسلامي العظيم 30 سنة استخدمت فيها الهندسة المعمارية الإسلامية الأصيلة، بزخارف وتصميمات تعكس التراث الإسلامي الممتد عبر القرون الغابرة في أي بقعة يوجد بها الإسلام..
  يحد القلعة من الغرب هضبة قوراية ومن الشرق شعاب وادي فرج وقد وضع للقلعة ثلاثة أبواب، باب الأقواس وباب جراوة وباب الجنان ويحيط بالقلعة سور عظيم مبني بطريقة مذهلة وبالحجارة المسننة المستخرجة من جبل "تيقريست"، ويوجد بالقلعة عديد الكنوز والمعالم الأثرية المهمة وأهمها المسجد الكبير، ومصلى قصر المنار الذي يعتبر أصغر مسجد في العالم بطول بلغ 1.60 سم، هذا بالإضافة إلى القصور الأخرى الممتدة عبر مساحات القلعة وعلى امتداد أكثر من 50 كم، والتي بناها حماد بن بلكين على غرار "قصر الأمير" والذي يحتوي على بحيرة تعد مشابهة لقصر الحمراء بالأندلس، بالإضافة إلى قصر المنار الذي يمثل أعظم صرح وذالك بفعل حجمه الهائل الذي يحتوي على عديد الكنوز الأثرية أهمها: المصلى الصغير الذي اكتشف سنة 1968م من طرف الدكتور رشيد بورويبة، كذالك قصر السلام وقصر الكواكب واللذين ما يزالان تحت الأنقاض إلى حد الآن، ولم تجر بهما أية حفريات حتى اليوم· رغم تصنيف القلعة من طرف منظمة اليونسكو سنة 1980 ضمن المواقع المهمة التي تستوجب الاهتمام والعناية اللازمة كالقصبة بالجزائر، إلا أن الواقع يثبت أنه كلما تقدم الزمن صارت القلعة في خطر، فبعدما أعاد العباس الحفصي للقلعة مكانتها المرموقة واتخذها ملجأ له، وبعد أن كانت نبراسا للعلم وملهمة لعديد العلماء أمثال يوسف بن محمد بن يوسف المعروف بابن النحوي، والعالم اليهودي عبد الرحيم ابن إسحاق ابن المجلون الفاسي، صارت القلعة اليوم مزارا وملجأ للتنزه العائلي وقبلة للعشاق لا غير بعيدا عن كل ما تحمله القلعة من رموز ومعاني تمثل أهم الميزات الإسلامية الخالدة .. فقد قال الإدريسي:(مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرا وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا وأوسعها أسوارا وأحسنها قصورا ومساكن، وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار صورها بجميع الجبل ويسمى تيقريست وأعلى هذا الجبل متصل بسيط من الأرض)· واليوم القلعة لم تحض بأي اهتمام يذكر أو ترميم مسها عدا بعض المحاولات المحتشمة سنة 1974م حيث رممت صومعة المسجد الكبير والتي تعد نسخة مطابقة لمسجد اشبيلية كذالك سنة 1976م وإلى سنة 1982م، حيث وضع تصميم للأنقاض وترميم الموقع من طرف منظمة اليونسكو وكذالك في سنة 1987م أين اتجهت بعثة جزائرية وبولونية لترميم القلعة وإنقاذ ما أمكن إنقاذه، لكن الواقع يثبت أن أجزاء كبيرة من القلعة تضررت وبشكل كبير فالمسجد الكبير لم يعد كبيرا كما كان، حيث لم تبق منه إلا المئذنة والتي ما تزال شامخة لحد الآن، والحفريات التي كانت تقام هنا وهناك.. وجلّ ما كان يعثر عليه ويستخرج كان يوجه إلى خارج الوطن، فأول حفرية بالقلعة كانت على يد بول بلا نشي سنة 1987 ثم لوسيان قولوفان ما بين 1950 و 1960 لكن ما وجده هذا الأخير وجه إلى متحف الباردو بباريس ومما ساعد على نسيان وطي صفحة اسمها من التراث الإسلامي بالجزائر هو غياب التحسيس الإعلامي والخرجات الميدانية والتي تكاد تكون معدومة، كل هذه الأمور عجلت باندثار تدريجي للقلعة إن لم نقل زوالا نهائيا لها·
                                

  ويذكر رواد التاريخ والآثار أن بناء القلعة في هذا الموقع لم يكن هكذا عبثا وإنما ينم عن دراسة إستراتيجية معمقة لها أهداف بعيدة كل البعد عن الهدف العسكري وحده، فحماد بن بلكين قصد بناء القلعة أمام أو بالقرب من سوق حمزة المشهور وذلك لجعل الحياة بداخل أسوار القلعة سهلة وتقرب كل ما هو بعيد للمواطن، فهنا كانت النظرة للقلعة على أنها مثال حي لمدينة مثالية تجمع كل الطوائف والأعراق المختلفة والتي وحدها الدين الإسلامي· 

تاريخ منتخب كرة القدم: عندما منعت الفيفا منتخبات العالم من مواجهة الفريق الجزائري



بعد انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 وصدور قراراته والتي كان من بينها إنشاء منظمات خاصة بجبهة التحرير الوطني، وبعد تأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين والإتحاد العام للطلبة المسلمين، قررت جبهة التحرير الوطني تأسيس تنظيم رياضي يحمل رايتها وراية الثورة الجزائرية ويمثلها في المحافل الدولية فكان الإختيار على رياضة كرة القدم نظراً لشعبيتها الكبيرة عبر أنحاء العالم.

تأسس المنتخب الجزائري لكرة القدم في ظروف سرية سنة 1958 أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، حين قام محمد بومرزاق وهو أحد زعماء جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي كان مقرها في فرنسا بالإتصال مع 10 من أبرز اللاعبين المحترفين من أصول جزائرية والناشطين في الدوري الفرنسي آنذاك، وحدث ذلك خلال المهرجان العالمي للشباب في سنة 1957، حيث طلب منهم مغادرة فرنسا سراً والتوجه إلى تونس، حيث كان المنتخب الجزائري قد أنشئ في 13 أبريل سنة 1957. في وقت لاحق أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا بعد احتجاج الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، أن أي فريق يواجه الجزائريين سيطرد من نهائيات كأس العالم، في حين أن الحكومة الفرنسية نجحت في إلقاء القبض على اللاعبين الآخرين الذين حاولوا مغادرة البلاد للانضمام إلى الفريق. بالرغم من هذه العقبات، لعب فريق حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية 91 مباراة على مدى السنوات الأربع اللاحقة، وساعدت انتصارات الفريق في منح وزيادة الاعتراف الدولي بكفاح الجزائريين من أجل الاستقلال. وكان لهذا الحدث الكبير دور مهم في مستقبل المنتخب الجزائري.

كان الغرض من إنشاء هذا الفريق الثوري هو أن يصبح سفيراً للثورة الجزائرية. ولد هذا الفريق مع عودة محمد بومرزاق من المهرجان العالمي للشباب في موسكو سنة 1957 رافعاً الراية الخضراء والبيضاء، وكان يمثل فريق كرة القدم والرياضة الجزائرية في هذا الحدث. قبل بضع سنوات من هذا الحدث، نجح فريق لاعبوه من المغرب العربي بهزيمة منتخب فرنسا بـ 3 أهداف مقابل صفر في مباراة أقيمت في 1 نوفمبر 1954 لصالح ضحايا زلزال ضرب مدينة الشلف (وكان الاستعمار حينذاك يسميها أورليانسفيل) قبل شهرين من ذلك التاريخ وراح ضحيته 1460 شخصاً. وقد ضم الفريق اللاعبين المغربيين العربي بن بارك والمدافع عبد الرحمن محجوب والجزائريين مختار عريبي وسعيد الإبراهيمي وعبد الرحمن بوبكر.

الأربعاء، 29 يناير 2014

مقابر ما قبل التاريخ في الجزائر..


  


كانت مقابر أهالي المدن الجزائرية على قدر كبير من الفخامة. ففي مدينة الجزائر تقع هذه المدافن بقمة جبل مسيد، في المكان المسمى "نصب الأموات". كما اكتشفت قبور أخرى تقع تحت "كهف الدببة" وأخرى بناحية "بكيرة". كما توجد مقابر أخرى بمنطقة "الخروب" بالمواقع المسماة "خلوة سيدي بو حجر" قشقاش، وكاف تاسنغة ببنوارة وتعود كلها إلى مرحلة ما قبل التاريخ وتنتشر في أكثر بقاع الجمهورية الجزائرية.
المقبرة الميغاليتية لبونوارة التي تقع على بعد 32 كلم عن قسنطينه وعلى الطريق الوطني المؤدي باتجاه قالمة. وتقوم هذه المقبرة الميغاليتية لبونوارة على المنحدرات الجنوبية الغربية لجبل "مزالة" الكلسي على بعد كيلومترين شمال قرية بونوارة. وتتكون هذه "الدولمانات" أي المناضد الصخرية من طبقات كلسية متماسكة تعود إلى عصر ما قبل التاريخ، ويبدو أن عددا كبيرا منها قد تعرض للتلف والاندثار.
والنموذج العام لهذه المعالم التاريخية يكون على شكل منضدة متكونة من أربع كتل صخرية عمودية وطاولة، مشكلة بدورها غرفة مثلثة الشكل. وعادة ما يكون الدولمان محاطا بدائرة من حجارة واحدة، وفي بعض الأحيان من دائرتين أو ثلاث أو أربع. وقد كان سكان المنطقة القدامى يستعملونها لدفن موتاهم بهذه الطريقة المحصّنة التي يبدو أنها قد استمرت إلى القرن الثالث ق.م.
كهف الدببة ويبلغ طوله 60م ويوجد بالصخرة الشمالية لقسنطينة.
كهف الأروي: يوجد قرب كهف الدببة ويبلغ طوله ستة أمتار ويعتبر كلا الكهفين محطتين لصناعات أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ.
ماسينيسا وضريح بالخروب الواقع على بعد 16 كيلومترا جنوب شرق قسنطينه. الضريح عبارة عن برج مربع، تم بناؤه على شكل مدرجات به ثلاثة صفوف من الحجارة وهي منحوتة بطريقة مستوحاة من الأسلوب الإغريقي- البونيقي. وقد نسب هذا الضريح لماسينيسا الذي ولد سنة 238 ق.م وتوفي سنة 148 ق.م. والذي حمى هذه المنطقة لمدة 60 سنة. ويعود له الفضل في تأسيس الدولة النوميدية، كما أسهم في ترقية العمران وتطوير الزراعة بالمنطقة وأسس جيشاً قوياً.
ضريح لوليوس الذي يقع في جبل شواية بالمكان المسمى "الهري" على بعد حوالى 25 كيلومتراً شمال غرب قسنطينة، غير بعيد عن "تيدس". له شكل أسطواني. بني من حجارة منحوتة، وشيده لوليوس إبريكيس حاكم روما آنذاك تخليدا لعائلته.
مدافن تيديس الواقعة على بعد 30كلم إلى الشمالُ الغربي من قسنطينة وتختفي في جبل مهجور. كانت لها قديما أسماء عديدة مثل: "قسنطينة العتيقة"، "رأس الدار" كما سميت أيضا "مدينة الأقداس" نظراً لكثرة الكهوف التي كان الأهالي يتعبدون بها. ويبدو أن اسمها الحالي "تيديس" هو اسم محلي نوميدي. أما الرومان فأعطوها اسم كاستيلي رسبيبليكا.
ومعنى "كاستيلي" هو المكان المحصن، ومعنى "روسبيبليكا" أي التمتع بتنظيمات بلدية. وقد كان دور هذه المدينة هو القيام بوظيفة القلعة المتقدمة لحماية مدينة سيرتا من الهجمات الأجنبية.
ولا تزال آثار الحضارات التي تعاقبت على "تيديس" شاهدة إلى اليوم، بدءا بعصور ما قبل التاريخ، فالحضارة البونيقية، الحضارة الرومانية، الحضارة البيزنطية إلى الحضارة الإسلامية.

ويتجلى عصر ما قبل التاريخ في مجموعة من القبور تسمى "دولمن" ومعناها" المناضد الصخرية". وهناك عدد من المقابر القديمة تقع على منحدر الجانب الشمالي وتجمع عدداً من المباني الأثرية الدائرية المتأثرة بطريقة الدفن الجماعي والتي تسمى "بازناس". وتدل النصب والشواهد الموجودة على أنها تعود إلى العصر البونيقي، فيما يتجلى الطابع الروماني في المناهج المتعلقة بنظام تخطيط المدن.

قصة العلم الجزائري



أصل العلم الجزائري يعود للأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وزعيم المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، الذي تبنى راية مغايرة للتي كانت معتمدة قبل دخول الفرنسيين للجزائر فاختفى العلم الأحمر الذي ميزة فترة الحكم العثماني للجزائر منذ القرن السادس عشر حتى انتزعه الفرنسيون من فوق قلعة ملاي حسن بالجزائر في 04 جويلية عام 1830.
واستمرت راية الأمير عبد القادر ترفرف عاليا ما بين 1830 – 1847 التي احتوت كف ربما كدلالة على المبايعة في الوسط آية قرآنية "نصر من الله وفتح قريب" وعلى الجانب الآخر "ناصر الدين عبد القادر" واستعملت ألوان علم الأمير الأخضر في أعلاه وأسفله وفي الوسط أبيض. ولم يكن ظهور هذا العلم بمحض الصدفة في هذه الفترة بل كان يرمز إلى استقلال سياسي عن الدولة العثمانية بعد أفول حكمها في الجزائر وإذانا بظهور الدولة الجزائرية الحديثة...
بعد نهاية مقاومة الأمير عبد القادر لم يظهر علم إلى غاية سنة 1910، ولم يكن رافعوه يشكلون حزبا سياسيا أو جمعية منظمة بل كانوا عمالا جزائريين بميناء سكيكدة خلا مظاهرات بالمدينة وكان هذا العلم مغاير لعلم الأمير وتميز بلون أخضر عليه هلال.
ونفس العلم كان مثلا في الراية التي رفعها المجاهدون إثر انتفاضة الجنوب القسنطيني سنة 1917. واشار إليه سنة 1920 النائب الفرنسي "موتييه" مخاطبا المنتخبين الجزائريين – الفرنسيين بقوله : إن سياستكم ستدفع بالمسلمين للتجمع خلف عملهم الأخضر".
ولم يظهر في الفترة ما بين 1910 و1926 غير ذلك العلم وبقى الحال كذلك إلى غاية ظهور العلم بشكله الحالي في مظاهرات 17 جويلية 1934 وهذا الأخير رفعه الجزائريون في مظاهرات 8 ماي عام 1945.
بعد مجازر 8 ماي 1945 أصبح لدى الجزائريين قناعة بضرورة العمل المسلح لاسترجاع الحرية ومع اندلاع الثورة التحريرية المباركة في الفاتح نوفمبر عام 1954 تبنت جبهة التحرير الوطني العلم الذي يعود تصميمه لمصالي الحاج في الفترة ما بين 1954 و1962.

حيث ترجع فكرة تصميم علم وطني حسب المؤرخين إلى سنة 1929، العام الذي فكر فيه "مصالي الحاج" في علم يرمز للحرية بعدما أصبح يردد وينادي باستقلال الجزائر منذ عام 1927 بمدينة بروكسل ببلجيكا. عام بعد عام أصبحت الفكرة حلم واعتمد نجم شمال إفريقيا هذا المبدأ ما بين سنتين 1933 – 1934 لما اعتمد راية فيها الألوان (الأبيض، الأخضر والأحمر) للتعبير على وحدة الدول الثلاث في شمال إفريقيا.
والعلم في شكله الحالي ظهر لأول مرة في مظاهرات 17 جويلية عام 1937 في بلكلور بالجزائر ويعود تصميمه وحياكته لزوجة "مصالي الحاج" قبل المظاهرات بأيام..
ولم يأخذ العلم الوطني شكله النهائي إلا بعد الاستقلال وتم اعتماده الرسمي بألوانه وأشكاله الأخضر، الأبيض والأحمر والنجمة والهلال وفق مقاييس محددة في اجتماع مجلس الوزراء الحكومة الجزائرية يوم 03 أبريل عام 1962

.
رمزية الألوان و الأشكال

ـ اللون الأبيض: في العلم يرمز للسلام والنقاء
ـ واللون الأخضر: يرمز للاسلام وثروات البلاد.
ـ أما اللون الأحمر: فيدل على دماء شهداء
ثورة التحرير (1954 إلى 1962).

القصبة... لؤلؤة الآثار التركية بالجزائر




يعد حي القصبة بموقعه ومعالمه وهندسته شاهدًا على ذاكرة الأمة وتاريخ الشعب الجزائري، لاحتوائه على أكبر تجمع عمراني لمبانٍ يعود تاريخ بنائها إلى العهد التركي، حيث كانت مقر السلطان، وقاعدة عسكرية مهمتها الدفاع عن القطر الجزائري، و هي مبنية على طراز تركي عثماني تشبه المتاهة في تداخل أزقتها بحيث لا يستطيع الغريب الخروج منها لوحده لوجود أزقة كثيرة مقطوعة تنتهي بأبواب المنازل والقصبة تحوي عدة أزقة أهمها "زنيقة العرايس" و"زنيقة مراد نزيم بك " وفيها عدة عيون مشهورة كالعين المالحة في باب جديد وبئر جباح في قلب القصبة وزوج عيون في أسفلها.
 إضافة إلى أنها تضم عدة قصور منها قصر مصطفى باشا، وقصر دار الصوف، وقصر دار القادس، وقصر سيدي عبدالرحمن، ودار عزيزة بنت السلطان، وقصر دار الحمرة الذي تحول إلى دار للثقافة إلى جانب قصر أحمد باي الذي يستغله المسرح الوطني، وما زالت هذه القصور موجودة، ومنها ما حُوِّل إلى مكتبات ودور ثقافة، أو مراكز للتأهيل المهني، أو متاحف.
و كذلك تحتوي القصبة على مساجد عديدة هي الجامع الكبير والجامع الجديد وجامع كتشاوة وجامع علي بتشين وجامع السفير وجامع السلطان وجامع سيدي رمضان بالإضافة إلى مساجد صغيرة كمسجد سيدي محمد الشريف، وسيدي عبد الله وسيدي بن علي بالإضافة إلى ضريحها الشهير سيدي عبد الرحمن الثعالبي الذي لا زال يمثل مزارا كبيرا في حي القصبة دون أن ننسى الجامع الكبير الذي تم هدمه في بداية الاستعمار الفرنسي كان يتوسط ما يعرف اليوم بساحة الشهداء.
و كانت القصبة عبارة عن حصن يغلق ليلا وله عدة أبواب في جهاتها الأربع أهمها باب الوادي من الغرب وباب الجديد في الجهة العليا وباب الجزيرة من جهة البحر وباب عزون من جهة الشرق.

                                 
ويعد حي القصبة من الأماكن التي ألهمت الأديب الجزائري الراحل والشهير محمد ديب في رواياته مثل: «دار السبيطار»، و«الحريق»، و«الدار الكبيرة»، وكلها روايات تقع أحداثها في القصبة .
فمن خصوصياتها أن كل البيوت تحتوي على ساحة مربعة الشكل مكشوفة بدون سقف في وسطها يعرف بصحن الدار وبئر ونافورة ماء من حولها بنيت كل شقق البيت في معمار إسلامي متميز وتتميز دور القصبة بنوافذ صغيرة مزينة بقضبان حديدية جميلة وتتميز دور القصبة أيضا بالتقارب الشديد بين بعضها البعض بحيث يسهل جدا القفز من دار إلى دار بل يستطيع الإنسان إجتياز القصبة كلها عبر سطوح المنازل.
و يبلغ عدد سكان القصبة قرابة الخمسين ألف ساكن.
تقول إحصائيات وزارة السياحة الجزائرية إن أغلب السياح الذين يفضلون الجزائر كوجهة لهم من الأوروبيين، وأكثرهم من الفرنسيين، ويؤكد عدد من السكان أنهم يشاهدون العشرات من السياح يتوافدون على القصبة يوميًا، وأنهم يحظون بحفاوة كبيرة، وأن العائلات أصبحت تستضيف، أيضًا، هؤلاء السياح كما جرت العادة في السنوات الماضية.
وحسب تقرير مديرية السياحة فإن مدينة القصبة كان يزورها بين 300 سائح و500 سائح في اليوم خلال الثمانينيات، لينقطع عنها السياح في التسعينيات نهائيًا، أما اليوم فقد بدأت المياه تعود إلى مجاريها، وأصبحت القصبة تستقبل بين 200سائح و400 سائح، وينتظر أن يرتفع العدد ليتجاوز ذلك بكثير.
يشير التقرير، أيضًا، إلى أن عددًا كبيرًا من الصناعيين الفرنسيين ورجال الأعمال الذين يأتون إلى الجزائر يسألون كثيرًا عن القصبة، ويفضل الكثير منهم زيارتها.
وتتطلع وزارة السياحة الجزائرية إلى جذب أكثر من مليون سائح سنويًا إلى القصبة، وأغلب المعالم السياحية في البلاد.
وما زالت القصبة تحافظ على خصوصيتها بوجود محال الخياطة والطرز والنحاس، وهي معروفة بأنها حي البسطاء.
تجارة أخرى أصبحت تستقطب السياح الأجانب والعرب الذين يزورون القصبة، تتمثل في البطاقات البريدية التي تصور مدينة القصبة وبعض عادات السكان.
ورغم تميز هذا الحي بالأزقة الضيقة إلا أنه يضم الكثير من المحال الخاصة بالخياطة ومحال صانعي الحرف التقليدية مثل: صناعة الفخار، والنحاس، والأحذية، والألبسة التقليدية كالفساتين الخاصة بالأعراس.
كما خصصت بعض المراكز في قلب القصبة للتكوين المهني المختص بالحرف والصناعات التقليدية التي تشتهر بها كالطرز على الحرير، وخياطة البرانيس والجلابيات الخاصة بالجزائر.

                                
يجد المتجول في حواري حي القصبة وأزقته الضيقة نفسه أمام مناظر لم يشهدها من قبل، وبين بساطة العيش لدى سكان هذا الحي العتيق، وبراعة الهندسة المعمارية لقصور شيدها حكام أتراك يجد الزائر فسحة للخروج من روتين البنايات العصرية.
ويقصد أغلب السياح المكان برفقة دليل سياحي يمكن انتدابه مباشرة بعد حلول الزائر بالمطار، أو عبر وكالات السياحة والسفر، بل إنهم في الغالب يأتون في رحلات منظمة.
وأمام هذه اللؤلؤة الحضارية لم تتردد منظمة اليونيسكو سنة 1992 في تصنيف قصبة الجزائر ضمن التراث الثقافي العالمي.
فقد بني هذا الحي قبل اختراع وسائل النقل الحديثة و شوارعه عبارة عن أزقة ضيقة
و أنفاق تحت العمارات وسلالم كون مدينة الجزائر مبنية بالتدرج على هضبة تمتد من البحر إلى القمة.وتمثل هذه القصبة نوعا فريدا من المدن الإسلامية
فهي المكان الذي تختلط فيه جمالية الذكرى بشموخ التاريخ و المساجد القديمة، والقصور العثمانية.

هذا المكان الذي يمثل قلب مدينة الجزائر النابض, والذي تولدت في رحمه بذور الثورة الوطنية قد تحول إلى محمية أثرية بقرار من اليونسكو. ولكن البيوت القديمة أخذت في التداعي والانهيار. ولم يبق من الثمانية آلاف منزل التي كانت تضمها هذه المحمية إلا ثلاثة آلاف فقط, القصبة مكان غني بالبشر والتاريخ, ولكنه يحتاج إلى جهد خارق من أجل صيانته والحفاظ عليه من الانهيار,

الثلاثاء، 28 يناير 2014

الحظيرة الوطنية بالأهقار.. متحف طبيعي وإرث حضاري عريق وزاخر


        


 تكتسي الحظيرة الوطنية بالأهقار بتمنراست أهمية بالغة ذات أبعاد متعددة لما تزخر به من الكثير من الشواهد الطبيعية الحية التي لا زالت تعبر على مدى آلاف السنين عن أسرار الوجود الإنساني والحيواني والنباتي بهذه المنطقة من الجنوب الكبير حيث يعود البعض منها إلى ما قبل 12 ألف سنة.

وقد تحول هذا الفضاء الطبيعى المصنف كأكبر المتاحف المفتوحة على الطبيعة في العالم والممتد على مساحة تقدر بنحو 500 ألف كلم مربع تصل إلى منطقة التيدكلت إلى قطب سياحي ذي أهمية وطنية ودولية بالنظر إلى ما يحتويه من كنوز وشواهد تحمل الكثير من خصوصيات منطقة الأهقار التي تتميز بتنوع تضاريسها ومناخها الذي يتميز بالاعتدال في الأهقار بينما يكون جافا وشبه حار بمنطقة التيدكلت الصحراوية. ومن الخصائص الطبيعية الفريدة من نوعها للحظيرة الوطنية بالأهقار سلسلة الجبال الشاهقة التي صقلتها الرياح المحملة بالرمال الممتدة في اشكال غريبة تشد نظر الإنسان كما تحتوى صخورها بقايا حيوانية ونباتية تدل دلالة واضحة على وجود الحياة بهذه المنطقة منذ العصور الجيولوجية القديمة. وتتواجد بهذا الفضاء الطبيعى بقايا غابات تدل عليها تلك الاشجار الضخمة المتحجرة بفعل العوامل المناخية والتي توحى اليوم بمفارقة غريبة إلى تواجد غابة استوائية وسط صحراء قاحلة فضلا عن انتشار أكثر من 350 نوع من النباتات حيث يمثل هذا الغطاء النباتى مساحة رعوية كانت تقتات منها الحيوانات البرية والاليفة ولا زال العديد من أنواع هذه النباتات يستعمل اليوم لدواعى العلاج والصناعات التقليدية وبناء المساكن بالأهقار. وتكشف الكثير من الدلائل ان هذا الغطاء النباتى كان كثيفا وكانت تنتشر به منذ أكثر من 10 آلاف سنة حيوانات تعيش بالمناطق الاستوائية كالزرافة ووحيد القرن والفيلة وتشهد على ذلك أيضا الرسوم والنقوش الصخرية المنتشرة في معظم مناطق الحظيرة.
                  
وإلى جانب هذا الغطاء النباتي تنتشر بعض مصادر المياه والتي تعتبر قليلة مقارنة بالمساحة الشاسعة للحظيرة والتي تقتصر على آبار وقلتات "برك مائية" والتي كانت تعد مصدر الحياة لسكان المنطقة وللحيوانات البرية.
                  
كما تحتوى الحظيرة الكثير من المواقع الجيولوجية والمناجم والاثريات وبقايا المقابر التي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام والكثير من النقوش المختلفة والرسومات الصخرية التي لا زالت تروي إلى اليوم ماضي واسرار المنطقة. كما تم مؤخرا اكتشاف انثى الفهد بالجهة وهو الاكتشاف الذي لا زال محل دراسات عالمية.

الاثنين، 27 يناير 2014

أحمد حماني....فقيه الجزائر الراحل


                                     


في29 جوان 1998غادرنا مفتي الجزائر المجاهد الشيخ "أحمد حماني" تاركا وراءه فراغا يصعب ملؤه، وقد كان رحمه الله نعمة علينا لم نحس بها إلا بعدما فقدناها..
    ولد أحمد بن محمد بن مسعود بن محمد حماني يوم الاثنين 26 شوال 1333هـ الموافق ل6 سبتمبر 1915 م بقرية آزيار من دوار ، تمنجر بلدية العنصر دائرة الميلية، لكن والده غير تاريخ الميلاد إلى 1920 حتى يكمل دراسته قبل أن تدركه الخدمة العسكرية ، ينتسب الشيخ أحمد إلى عائلة مشهود لها بمقاومة الظلم ومنه الظلم الاستعماري فقد رأى بنفسه بعض أنواع السلاح المحفوظة عند عمه الصادق وهي لجدهم الذي عاصر الاحتلال الفرنسي للمنطقة وقاومه بتلك الأسلحة ،كما أنه طيلة الاحتلال لم يسجل التاريخ أن واحدا من العائلة تعاون- بالعمل في وظيفة بسيطة أو خطيرة مع الفرنسيين حتى كتبت التقارير الفرنسية في تحرياتها عن المنتمين إلى عائلة حماني بأنهم من عائلة مشبوهة ، ويذكر محمد الصالح بن عتيق في مذكراته عن والد الشيخ أحمد بأنه أحد العلماء المصلحين تتلمذ على يد الصالح بن مهنا الذي أخذ العلم بالأزهر، وقد كان "محمد حماني" من أنصار الإصلاح والمحاربين للطرقية التي هي وسيلة الاستعمار في نشر البدع والخرافات، وهذا الرجل له وزنه في المنطقة وكلمته مسموعة بها ،فهو مشهود له بالعلم والمعرفة" .
    كانت الخطوات الأولى لأحمد حماني وسط هذه الأسرة التي اشتهرت بالعلم والعمل بدء بجده الأول محمد الذى شارك في صناعة القرار في أواخر العهد العثماني إذ كان من رجال إدارة ابن عزالدين ، إلى مقاومة الاستعمار والحرص على بث الروح المتميزة ،الرافضة للظلم والتي جسدها جده الثاني مسعود بضربه قائدا عينته فرنسا، إلى أبيه محمد الذي سبق وصفه .
نزح إلى قسنطينة في فصل الربيع من سنة 1930 فأتم حفظ القرآن بكتاب سيدي أمحمد النجار ثم انخرط في سلك طلبة الإمام عبد الحميد بن باديس ابتداء من أكتوبر 1931 مدة ثلاث سنوات (سبتمبر 1934) وأتقن بهذه المدة فنون الدراسة الابتدائية، وحضر أول مظاهرة شعبية قادها الشيخ ابن باديس كما حضر بهذه السنة لأول مرة اجتماعا عاما لجمعة العلماء وانخرط فيها كعضو عامل.
ارتحل إلى تونس في أول السنة الدراسية 1934 – 1935 فانتظم في سلك طلبة الجامع الأعظم، ودامت دراسته هناك مدة عشر سنوات ملتزما بالنظام، حصل على الأهلية في 1936، وعلى شهادة التحصيل في 1940، وعلى شهادة العالمية في سنة 1943.
كانت صلته بابن باديس في حياته وبجماعته بقسنطينة لم تنقطع، ومن هنا عمل بمجلة "الشهاب"، ثم بجريدة "البصائر" وكتب فيهما، وتحمل مسؤوليات في جمعية العلماء، وشارك في الصحافة التونسية والجزائرية منذ سنة 1937، وانتخب أمينا عاما في جمعية الطلبة الجزائريين بتونس بجانب الأستاذ الشاذلي المكي الذي اعتقل سنة 1940 وتعطلت الدراسة في شهر جوان 1940، فلم تستأنف إلا في شهر أكتوبر فحضر امتحان التحصيل ونجح بالتفوق، ثم جاءه الأمر من جماعة قسنطينة بمواصلة الدراسة العليا وأطاع، فواصل الدراسة في القسم الشرعي وانتهت بحصوله على الشهادة العالمية في جويلية 1943.
أثناء هذه الفترة تطورت أحداث الحرب العالمية الثانية. ونزل الحلفاء بالجزائر وسابقهم الألمان نزلوا بتونس في نوفمبر 1942 وانقطعت الصلة بين تونس والجزائر تماما، وتعذر الاعتماد المادي وكان معه بعثة علمية هو مسؤول عنها ماديا وأدبيا، فصار مسؤولا عن خمسة ولم يبخل الشعب التونسي الكريم عليه طيلة وجود الألمان حتى ارتحلوا أو طردوا في ماي 1943.
أثناء وجود الألمان غامر بالاتصال معهم مع أنهم قد بدأ احتضارهم وكان رفقة التونسيين والجزائريين، وقد انكشف له خبث نياتهم وسوء نظرهم إلى العرب، وتبين أنهم يعتبرون ارض إفريقيا حقا لاستغلال الأوروبيين، وعداوتهم للفرنسيين إنما من اجل هذا الاستغلال، أما العرب فهم كالعدم، وفي برقية من هتلر إلى بيتان يقول: "نزلت جيوشي بتونس من أجل الاحتفاظ بإفريقيا لأوروبا" ففشلت هذه الاتصالات بهم، وخصوصا بعد هزائمهم في روسيا، وفي العلمين.
بعد احتلال تونس ألصقت به تهمة الاتصال بالعدو في زمن الحرب، والقي القبض على كثير من الطلبة الجزائريين، فدخل عالم السرية ابتداء من 1943 ونجا من العذاب الأليم، إلى أن قطع دراسته في القسم الأدبي ليعود للجزائر.
في 30 افريل 1944 عاد إلى الجزائر في عهد السرية، فلما نزل بقسنطينة ابتدأ العمل في التربية والتعليم، ورغم أن البحث عنه كان ما يزال جاريا بتهمتين: الفرار من الجندية الإجبارية والتعاون مع العدو في زمن الحرب، ثم قدم إلى المحاكمة التي وقعت في 20 مارس 1945 بعد تدخل جمعية العلماء وأهل قسنطينة وقدمت رشوات ضخمة أنجت الطلبة الجزائريين وحكم عليهم بالبراءة أو بأحكام خفيفة.
عين بعدها مديرا علميا للدراسة في التربية والتعليم، وأهم ما طرأ على الدراسة في هذه المدرسة إنشاء التعليم الثانوي بها، وتخلي المرحوم السعيد حافظ عن إدارتها فخلفه الأستاذ عبد الحفيظ الجنان، أما المدرسة الثانوية فقد عين لمباشرتها الشيخ السعيد حافظ لقسم الإناث، وأحمد حماني لقسم الذكور، ثم جائت أحداث 8 ماي 1945، وصدر الأمر بغلق المدرسة وكل مدارس الجمعية في ولاية الشرق ابتداء من شهر ماي 1945.
في مارس 1946 عقد مؤتمر من المعلمين ورجال الجمعيات بقسنطينة، وقرر عدم الاعتراف بقرار الغلق ووجوب إعادة الحياة للدراسة العربية ابتداء من أول السنة الدراسية، وفتحت المدارس أمام أعين العدو المبهوت، وعاد إلى الإدارة العلمية ابتداء من أكتوبر 1946،ـ وقد عين للإدارة العلمية المرحوم أحمد رضا حوحو، وأنشأ قسم ثانوي للبنات وللذكور.
في هذه السنة تكون مؤتمر المعلمين وأنشئت لجنة التعليم العليا لغرض توحيد التعليم الحر ماديا وأدبيا على مستوى الوطن وبعض مدن فرنسا، وقد عين عضوا في هذه اللجنة التي أنجزت أشياء كثيرة في عقد من السنين، كما أنشأت التفتيش الابتدائي والعام ووحدت الدراسة، وأنشأت الشهادات الفاصلة بين مراحل التعليم، ونفذت البعثات العلمية إلى ثانويات وجامعات مصر.
منذ سنة 1947 تكونت أول ثانوية بالجزائر للتعليم العربي الحر، وعين لإدارتها الشهيد الشيخ العربي التبسي، وللأستاذية أبناؤه وإخوانه ومنهم أحمد حماني وهو الذي أشرف على تنظيم الدخول فيه، وشارك في تكوين هذه الثانوية، وبقي المشرف على اللجنة العلمية إلى آخر لحظة من حياة المعهد، شهر اوت 1957.
في سنة 1955 أسندت إليه رئاسة لجنة التعليم العليا بعد أن اعتقل كثير من رجالها. في عام 1946 عينته جمعية العلماء كاتبا على مستوى جميع ولايات الشرق، يهتم بالجمعية وشعبها ومدارسها وشؤون التعليم فيها، فقام بالمهمة أحسن قيام. في سنة 1951 انتخب عضوا في إدارة الجمعية وأسندت له مهمة نائب الكاتب العام، ودام في هذا المنصب مادامت الجمعية في الوجود.
منذ نشوب حرب التحرير في عام 1954 كان مثل إخوانه يعمل فيها، وكان العمل سرا، وجعلت دار الطلبة من المراكز الأساسية للثورة، ودام هذا إلى يوم ألقي عليه القبض في 11 أوت 1957 بالعاصمة، وأغلقت دار الطلبة وطرد منها سكانها واحتلها العدو، وجعلها من مراكز التعذيب والاعتقال، وبقي فيها إلى يوم الانتصار سنة 1962.
بعد 27 يوما في العذاب والانتقال من الجزائر إلى قسنطينة، زج به في السجن وعذب فيه أيضا واعتبر من المشوشين، ثم حوكم أمام المحكمة العسكرية فنال الأشغال الشاقة، ونقل إلى السجن المركزي بتازولت "لمبيس"، حيث بقي هناك إلى يوم 4 أبريل 1962.
في سجن تازولت أنشأ مع إخوانه المجاهدين حركة المجاهدين حركة تعليم منظم، وكون طلبة أتم بعضهم دراسته ثم امتهن في عهد الاستقلال التعليم في الثاويات وصاروا جهازا في ميدان التربية والتعليم، وفيه أيضا دبرت المكائد ضده، وكاد الاغتيال يناله عام 1960 بعد ابتداء المفاوضات، وبسببه وقع الإضراب العام من جميع المساجين بسبب خطبة يوم عيد النحر، فكان سبب سقوط النظام الطاعة "دسبلين"، ونال المساجين حقوق السجن السياسي وصاروا يسمعون الإذاعات ويقرؤون الصحف بعدما كانت ممنوعة عنهم قبل ذلك، وهذا في 1961.
بعد اعلان وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 سمي عضوا في اللجنة المسؤولة عن التعليم في مدينة قسنطينة، ومديرا لمعهد ابن باديس، وفتح أبوابه للتعليم إلى رفع الأمية، فعمر بالصبيان والشباب الشيوخ والنساء والرجال.
بعد تأسيس الحكومة الجزائرية ووقوع الاستفتاء، استدعي من قسنطينة لوظيفة المفتش العام للتعليم العربي، ودام هذا إلى سنة 1963، فلما أسس معهد الدراسة العربية بجامعة الجزائر سمي أستاذا به، وقضى في الجامعة 10 سنوات كاملة من 1962 إلى 1972م.
في سنة 1972م استدعي ليكون رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، ومن مهامه تنظيم الدعوة في المساجد والمدن، وإصدار الفتوى، وتمثيل الجزائر في الملتقيات على مستوى العالم الإسلامي أجمع، فقام بهذه المهمة المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم ثم من بعده الشيخ احمد حماني إلى عام 1988 حيث دخل في فترة التقاعد ابتداء من ينار 1989م. أثناء وجود في هذا المنصب، مثل الجزائر في ملتقيات عالمية بتونس مراران وبليبيل مرتين، وبمصر مرة وبالسعودية مرارا، وبالأفغان، وبالهند، وبسرنديب "سريلانكا"، وببلجيكا، وبنواكشوط، وبتشاد وبموسكو، وبإيران، وتناول الكلمة في هذه المجتمعات كلها.
عين في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني من سنة 1983 إلى 1985، انتخب رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين في سنة 1991. كما تولى إدارة جريدة البصائر في نفس السنة.
للشيخ عدة مؤلفات أهمها.
             كتاب "الإحرام لقاصدي بيت الله الحرام" منشورات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، الجزائر
             كتاب "صراع بين السنة والبدعة" دار البعث، 1984
             كتاب "فتاوى الشيخ احمد حماني"(3أجزاء) قصر الكتاب - البليدة
             كتاب "من الشهداء الأبرار : شهداء علماء معهد عبد الحميد بن باديس"، قصر الكتاب - البليدة

             كتاب "الدلائل البادية على ضلال البابية وكفر البهائية"، الشهاب - باتنة

الأحد، 26 يناير 2014

ديوان الشيخ أحمد سحنون


كان الشيخ سحنون ـ كما عرفه العام والخاص ـ الإنسان الذي عاش لدينه بكلّ ما فيه بجهده ووقته بماله ونفسه بفكره ورأيه .... وكان أيضا الشاعر الذي تمثل شعره تعاليم الإسلام , قوّته وسماحته , عزّته وطيبته , جهاده ودعوته
صدر مؤخرا الجزء الأول من شعره في طبعة أنيقة، يمكنكم تحميله عبر موقع المكتبة الجزائرية

                                  آثار الجزائر رمز الهوية وبوابة التاريخ

                         




آثار الجزائر ليست مجرد شهود حجرية صامتة, وليست قطع من الفسيفساء المتراصة, أو العملات المطمورة, ولكنها رموز لهوية متأصلة, تغرس جذورها في الرمل, وتمتد عبر أحقاب الزمن, فقد عانى هذا البلد على مدى قرن ونصف من الزمن من استعمار فرنسي طاغ, ظل يشكك في هويته, ويحاول طمس قوميته, ويؤكد للعالم في وقاحة منقطعة النظير أن الجزائر ما هي إلا أرض فرنسية ممتد عبر البحار. وجاءت شواهد الآثار لتؤكد أن هناك شعبا عرف كل طبقات الحضارة البشرية, تراكمت على أرضه, بدءًا من إنسان العصر الحجري, وهو يبحث عن طعامه, إلى ملوك البربر الأسطوريين, ومن قياصرة الرومان, حتى مجيء رايات الفتح الإسلامي, تاريخ ممتد وهوية صلبة ظلت صامتة أمام هذا العته الاستعماري, حتى استعادت الجزائر قوميتها. وكانت الآثار ولا تزال عنوان هذه الهوية القومية.

                        فرنسا تبحث عن شرعيتها
(ابحثوا عن آثار القديس أوغسطين وغيره من القدّيسين والرهبان, يجب أن نثبت أن هذا البلد كان مسيحيًا في الأصل حتى يقتنع الجزائريون بالدخول إلى المسيحية). هكذا أوصى ( الكاردينال لافيجري) جنود الاحتلال الفرنسي مع بداية انتشارهم على أرض الجزائر عام 1843, كان يعتقد أنه فور أن يقتنع الأهالي أن جذورهم مسيحية سوف يدخلون في هذا الدين ويتخلون عن مقاومة الغزو الفرنسي لبلادهم, من هذا المنطلق شجع الكثير من الأساقفة عمليات البحث الأثري, وشاركوا فيها أحيانًا, بحثًا عن بقايا الكنائس ورفات القدّيسين باعتبارها القاعدة التي يستندون إليها في حركتهم التبشيرية.
كان الهدف الديني واحدًا من أهداف عدة, فقد اندفعت فرنسا إلى الغوص في عمليات البحث عن الآثار منذ أن وطأت أقدامها أرض الجزائر, وبدأ العسكريون بأنفسهم تلك الرحلات الاستكشافية. في محاولة لرسم الخرائط التي تتضمن المواقع والطرق العسكرية القديمة. واستعان الجيش الفرنسي بهذه المعلومات في وضع الخطط العسكرية التي تدعم من إحكام سيطرته على البلاد. كما أن المواقع الأثرية قد أمدت الجيش بالأحجار اللازمة حتى يقوم ببناء التحصينات والأماكن الخاصة لإيواء الجنود, وأعاد إحياء المدن القديمة وحولها إلى حاميات من أجل مصلحته العسكرية.
كما قام بزيارة الجزائر طائفة كبيرة من العلماء الذين قادهم فضولهم العلمي ورغبتهم في إبراز التراث الحضاري للحضارات القديمة في هذه المنطقة, وكان الهدف منها استنطاق الشواهد المادية, وكشف طبقات الحضارات التي تراكمت على أرض هذا البلد, ولم يكن غريبًا أن تتكون العديد من الجمعيات الأثرية والمؤسسات العلمية: مثل مصلحة المعالم التاريخية للجزائر, التي أسست عام 1880 وتولت إدارتها مجموعة من المهندسين المعماريين, والمدرسة العليا للآثار في الجزائر التي لعبت دورًا مهمًا في البحث الأثري, واستقبلت كثيرًا من أساتذة التاريخ والآثار من كل أنحاء العالم, ولجنة شمال إفريقيا التي اهتمت بالبحث الأثري في كل شمال إفريقيا.
وأسفر البحث الأثري الدؤوب عن العديد من المواقع الأثرية والكشف عن معالمها التاريخية, ودخلت طائفة من المدن, مثل: (تمقاد وتبسة وجميلة وتيبازة وشرشال وقسنطينة وبطيوة), ضمن المواقع الأثرية, وألحقت بمصلحة المعالم التاريخية ليتسنى لها حمايتها. وقد قامت هذه المصلحة بصيانة هذه الآثار وترميم البعض منها, وإن كانت قد أهملت الآثار الإسلامية, وركزت جهودها على البقايا الرومانية وما قبل ذلك, وتم أيضًا التعريف بالتراث الجزائري, ونُشر العديد من التقارير عن الحفريات في المجلات الأثرية العالمية, وتم جمع النقوش وتصنيفها حسب المدن التي وجدت فيها, وكذا تم جمع القطع النقدية والتعرف على تاريخ صكها, وتصوير لوحات الفسيفساء, ونشر وصفها في سجلات خاصة. ومن المؤكد أن البحث الأثري في الجزائر قد ساهم في إثراء متحف اللوفر بباريس, فقد نقلت إليه الكثير من التحف الفنية والقطع الأثرية, وقد عجز الباحثون الذين نشطوا في هذا المجال في بداية الاحتلال في التصدي لهذا النهب الذي كان منظمًا, ومازالت المحاولات مستمرة من أجل المطالبة باستعادة هذه الآثار.

             محاولة طمس الشخصية القومية

                    
وبالرغم من الآثار التي خلفتها الحضارات التي تراكمت على أرض الجزائر, من عصر الإنسان الحجري, إلى ملوك البربر الذين أقاموا أول دولة منظمة في الصحراء, إلى البحارة الفينيقيين الذين تركوا بصماتهم على موانئ المتوسط, إلى سيطرة الرومان أعظم المهندسين الذين عرفهم التاريخ, إلى رايات الفتح الإسلامي التي جاءت لتمزج بين العرب والبربر في عقيدة واحدة, إلى الحكم العثماني الذي جاء منفذًا ليفك الحصار البحري الذي فرضته الأساطيل المسيحية عليها, بعد هذا كله جاء الغزو الفرنسي محاولا أن ينكر تمامًا أي قومية أو هوية خاصة بالجزائر.
لقد كانت القومية الجزائرية أقدم عهدًا من العديد من الدول الأوربية التي لم تعرف القوميات إلا مع بداية القرن التاسع عشر, وهي أيضا قد سبقت الدول العربية التي كانت لا تزال خاضعة للحكم التركي, فقد كانت دولة ذات سيادة منذ أواخر القرن السابع عشر لا تربطها بالدولة العثمانية سوى خيوط من التبعية الاسمية.
وبالرغم من ذلك فقد حاول المؤرخون الفرنسيون نفي وجود هذه القومية كليًا, وحاولت الكاتبة الفرنسية جوان جيسبي الزعم بأن الشعور القومي لم يكن موجودًا ولم تتحدد ملامح الشخصية الوطنية إلا كرد فعل للاحتلال الفرنسي في منتصف القرن العشرين, وحاول الفرنسيون اختزال هذا التاريخ الطويل وتشويهه. وركزوا فقط على الفترة الرومانية في الجزائر واعتبروا أنفسهم الورثة الحقيقيين لها, أما الوجود الإسلامي الممتد فقد صورته فرنسا على أنه فترات من الصراع والاضطراب بين العرب والبربر, بالتالي فهو لا يعد تاريخًا ملزمًا لهم.
وقد ساقت فرنسا كل هذه الدعاوى لتُدْخل الجزائر في حظيرة ممتلكاتها وتحولها إلى مقاطعة فرنسية تطبق عليها (نظام الإدماج), وأن يكون لاحتلالها صفة الدوام. فأعادت تشكيل المدن الجزائرية لتصبح على غرار المدن الفرنسية, وقامت بغرس أعداد كبيرة من الفرنسيين والأوربيين في الجزائر, مكونة منهم طبقة من المستوطنين الذين لا يدينون بالولاء إلا لفرنسا, ولا يدافعون إلا عن مكاسبهم وتأمين مستقبلهم فوق هذه الأرض, وأصبحوا يحتلون مكاتب كل الإدارات الحكومية, كما سيطروا على الاقتصاد الجزائري, وامتلكوا ثروات ضخمة من العقارات والأراضي الزراعية مكنتهم من فرض نفوذهم على السياسة الفرنسية, وقد مثل أصحاب (الأقدام السوداء) ـ وهو الاسم الذي أطلق على هؤلاء المستوطنين ـ فئة متعصبة مثيرة للشغب, تحتقر المسلمين وتضطهدهم, وهي تدرك أنها فوق كل عقاب, وإن من حقها إقرار القانون والنظام الذي يصلح له, وكانوا هم الذين عارضوا جلاء فرنسا عن الجزائر بعد انتصار الثورة, وكونوا منظمة سرية قامت بالعديد من الأعمال التخريبية.
وبالرغم من صنوف القمع والإجحاف, فإن القومية الجزائرية لم تمت, على العكس من ذلك لقد نمت وتطورت من الاعتراض والاحتجاج إلى الكفاح المسلح, لقد أيقظت كل محاولات الطمس في ضمير هذه الشخصية, استيقظت العقيدة الإسلامية والروح العربية.

                                                      بقايا رومانية

                           
تضم الجزائر مجموعة نادرة من بقايا المدن الرومانية الكاملة, ليس لها نظير في إيطاليا نفسها,. وبالرغم من أنها آثار دارسة, فإنك تستطيع أن تلمح وسط الركام كيف أنها كانت مدنًا متكاملة زاهرة بالحياة. في تيديس ويتماده وتيبازة, مجموعة من المدن التي تؤكد أن هذه المنطقة كانت محطة مهمة في قلب الإمبراطورية الرومانية. فقد كانوا يطلقون عليها إفريقيا الجديدة. وفي (تيبازة), التي تقع شمال العاصمة الجزائرية بحوالي 60 كيلومترًا توجد واحدة من أجمل هذه المدن,
                           ابنة كليوباترا في الجزائر
كانت لكليوباترا ابنة من قيصر هي سيلينا. وقد تربت ذليلة في مقر الإمبراطور أوكتافيوس بعد هزيمة أمها وانتحارها. وعاشت وهي لا تحلم إلا بالانتقام من الرومان والعودة إلى عرش أمها, ولكنها عادت إلى عرش آخر, في بلد آخر هو الجزائر. فقد كان يعيش في روما في ذلك الوقت ابن لأحد زعماء البربر هو (بوبا) وكان أبوه قد ثار هو أيضا على روما ولقي نهاية أليمة, أي أن حال(بوبا) كان يشبه إلى حد كبير حال سيلينا. ورأى الإمبراطور أكتافيوس أن يعقد بين الاثنين زواجًا سياسيًا, وأن يضع بوبا على عرش نوميديا- وهو الاسم القديم للجزائر- حتى يكفيه شر محاربة رجال القبائل, وأن يتخلص في الوقت نفسه من ابنة عدوته القديمة.
وهكذا تنسج الرواية الخيالية خيوطها على أرض من الحقيقة. فقد أقام بوبا بالفعل مملكة كبيرة تمتد حدودها حتى أطراف موريتانيا, ولكنها تدين بالولاء للرومان, ولم يستطع بوبا أن يحقق حلم زوجته بالاستقلال عن الرومان.
فقد كان كما يصفه المؤرخ الجزائري الشيخ مبارك الميلي: (متشيعا للإغريق في العلوم والحضارة, وللرومان في الحكم والسياسة, عديم الغيرة الوطنية والإحساس القومي).

وقد توفيت ابنة كليوباترا في العام السادس بعد الميلاد وأقام لها زوجها هيكلاً ضخما شرق قصره ولم يزل هذا الهيكل موجودًا إلى اليوم, ويعرف بقبر المسيحية, وهي تسمية خاطئة بطبيعة الحال, لأن سيلينا لم تدن بالمسيحية, إذ لم تكن هذه الديانة قد وصلت إلى الجزائر بعد.