بعد استجابة اللاعبين
الجزائريين لنداء جبهة التحرير الوطني للالتحاق بفريقها ومغادرتهم لفرنسا وذهابهم لتونس،
تأسس الفريق بقيادة محمد بومرزاق وقام بتمثيل الجبهة والثورة الجزائرية في المحافل
الدولية: فحط الرحال في العديد من الأقطار، فمن تونس إلى بكين وبلغراد وهانوي وطرابلس
والرباط وبراغ ودمشق وغيرها من العواصم التي نزل بها حاملا راية الجزائر.
في ربيع عام
1958، كان كل شيء جاهزا لتقديم الفريق للجمهور وبدء مشواره الكروي، بما في ذلك أمر
تنظيم مغادرة سرية للاعبين إلى تونس.
اختارت جبهة التحرير الوطني هذا التوقيت لإحداث وقع
إعلامي وتأثير نفسي. أما اختيار تونس فيعود لقربها الجغرافي إضافة للمساندة والتعاطف
الذين أبداهما رئيسها الحبيب بورقيبة وشعبها.
وكانت قد بلغت مسابقة
الدوري الفرنسي في أبريل مراحل حاسمة، وكان المنتخب الوطني الفرنسي يحضر لنهائيات كأس
العالم 1958 في السويد بأجراء مقابلة ودية مع نظيره السويسري في 16 أبريل. وكان كل
من مصطفى زيتوني ورشيد مخلوفي ضمن التشكيل الأولية الفرنسية لخوض نهائيات كأس العالم،
التي كانت ستنطلق بعد شهرين من تقديم فريق جبهة التحرير. ويذكر أن رشيد مخلوفي نال
مع منتخب فرنسا العسكري لكرة القدم كأس العالم للمنتخبات العسكرية في صائفة 1957. بسبب
نوايا جبهة التحرير الوطني، طلب زيتوني أن يتم تقديم الفريق بعد كأس العالم.
في 8 أبريل 1958
أخطر بومزراق جميع اللاعبين بتوقيت رحيلهم إلى تونس، مقر الحكومة المؤقتة الجزائرية،
حيث سيتم تقديم فريق جبهة التحرير للجمهور. وقدم لهم نصائح حول خطط السفر والسلوكات
الفردية، لا سيما على الحدود ومع ضباط الشرطة ومسؤولي الحدود الفرنسيين. في 13 أو
14 أبريل غادر 12 لاعب كرة القدم جزائري نواديهم في فرنسا. اللاعبون هم العريبي، بخلوفي،
طيفور بن بوبكر، بوشوك، شابري الإبراهيمي، كرمالي، معوش، مخلوفي، رواي، زيتوني وقد
غادروا نواديهم ومقر إقامتهم سرا في مجموعات صغيرة وفردى في بعض الأحيان، سرا بهم الإقامة
وناديهم في فرنسا. وسافر اللاعبون إلى نقطة التقائهم التي تم الاتفاق عليها مع بومزراق
وهي روما، مجموعة بالقطار مباشرة إلى إيطاليا ومجموعة ثانية بسيارة خاصة عبر سويسرا.
واجهت حسان شبري ومحمد معوش عند الحدود السويسرية بسبب محاولة الاستخبارات الفرنسية
منعهم من المغادرة لغاية 20 أبريل.
أراد معوش لقاء مجموعة
سويسرا في لوزان، ولكن كونه لا يزال يخدم في الجيش الفرنسي، وخوفا من بقاءه مدة طويلة
على الحدود قرر الرجوع قبل الإعلان عن أسماء اللاعبين الفارين والقبض عليه ومحاكمته
عسكريا.
ألقي القبض على شبري في منتون على الحدود مع إيطاليا،
حيث أخضعه ضباط فرنسيون للاستجواب. وكان الجزائريون في ذلك الوقت مشبوهون بنقل الأسلحة
أو المبالغ المالية لدعم جبهة التحرير الوطني. فأخفى معوش السبب الحقيقي لعبور الحدود،
ولكنه لم يعط الشرطة تفسيرا مقنعا فاقتيد إلى مرسيليا وحبس هناك، وتم لاحقا محاكمته
بتهمة "المساس بأمن الدولة"
وصل اللاعبون الآخرون
في الوقت المحدد إلى تونس، واستقبلهم فرحات عباس رئيس الوزراء المؤقت والحبيب بورقيبة
رئيس جمهورية تونس، وقدم بذلك الفريق للصحافة. ونجحت التغطية الإعلامية للحدث حسب ما
خطط له قادة الجبهة. وعنونت جريدة ليكيب عددها بجملة: «اختفاء 9 لاعبين جزائريين». أما مجلة فرانس فوتبول فتعرضت للموضوع بعد
4 أيام من الحدث. ثار جدل في الساحة الفرنسية حول الموضوع وأعلنت النوادي التي فقدت
لاعبيها عن فسخ عقودهم. وكان رد الاتحاد الفرنسي من خلال بيان أهم ما جاء فيه:
«الإيمان بمستقبل كرة القدم دخل قلوب قادة
مقاطعاتنا العزيزة في شمال أفريقيا.... اللاعبون من الأهالي يعضون بكامل أسنانهم على
خبز كرة القدم الذي نوزعه عليهم.
في تونس، بدأ الفريق
مباشرة في ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تحت إشراف محمد بومزراق ومختار عريبي،
وفي وقت لاحق عبد العزيز بن تيفور. وكانت أول مباراة رسمية مبرمجة للفريق الجزائري
في 9 ماي 1958 ضد منتخب المغرب، وانتهت بفوز الجزائري بنتيجة 2-1 (أو 2-0). وبعد يومين
انتصر على المنتخب التونسي بنتيجة 6-1، وظهرت مشكلة غياب المدافعين. المشكلة حلت من
جهة بقدوم خالدي حمادي، المدافع الجزائري الذي يعيش في تونس، ليلتحق بالمحترفين العشرة،
وبتحول قدور بخلوفي إلى مدافع. يغادر الفريق لأول مرة التراب التونسي باتجاه ليبيا
في يونيو 1958. ولاحقا في شهر أغسطس، زاد تعداد الفريق بانضمام مجموعة من ستة أعضاء
من فرنسا هم بوشاش وسمعان ابرير ومعزوز، والاخوين سوخان وزوبا. وتبعهم حداد ودودو في
خريف عام 1958.
كان فريق الجبهة
بحاجة لتمويل مالي بطبيعة الحال، والذي تحملته جبهة التحرير. لم يكن اللاعبون ميسوري
الحال، فرواتبهم لم تكن هامة عدى مصطفى زيتوني ورشيد مخلوفي اللذان لعبا في الدوري
الفرنسي الدرجة الأولى برواتب جيدة.
بقيت فقط مسألة الانضمام للاتحادات الدولية لكرة
القدم. وبالفعل تقدمت جبهة التحرير في ماي 1958 بطلب انضمام إلى الفيفا ولكنها رفضت.
وحتى انضمامها إلى الاتحاد الأفريقي (الكاف) لم ينجح لتدخل الاتحاد الفرنسي، الذي هدد
أيضا أعضاءه بالعقوبات في حال لعب منتخباتها مع فريق الجبهة. بنهاية عام 1958، كان
فريق الجبهة قد انتهى من جولة في المغرب، كما كان الاتحاد المغربي ممنوع من مقابلة
الفريق بأمر من الفيفا. وتجنب رئيس الاتحاد المغربي جيرانه في المغرب العربي.
وحتى الاتحاد الأفريقي،
ومقره في القاهرة وأول رئيسين له مصريان، لم يقدم أي دعم للفريق أثناء زيارته للقاهرة
في يناير 1959. فلم يجرؤ أي فريق على مقابلة فريق الجبهة، ولا حتى فريق ناد أو مدينة.
ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى تونس وليبيا فكانا البلدان الوحيدان من كل القارة الأفريقية
من قدم الدعم، ما نجم عنه تعليق مؤقت للبلد بقرار من الفيفا.
وقد لعب فريق جبهة
التحرير الوطني 62 مباراة فاز في سبع وأربعين منها، وتعادل في إحدى عشرة، وهزم في أربع
فقط.
واصلت تشكيلة فريق
جبهة التحرير دورها الرياضي النضالي حتى استقلال الجزائر سنة 1962 حيث شكلت النواة
الأولى للفريق الوطني الجزائري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق