بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 فبراير 2015

مطارق الحرفيين تنحت آخر نقوشها على النحاس في الجزائر




مدن جزائرية عريقة تشتهر بصناعة النحاس إلا أن غزو المنتجات الصينية للسوق المحلية يدفع أصحاب الورشات إلى دق ناقوس الخطر.
العرب  صابر بليدي

الصناعات التقليدية والحرف اليدوية في الجزائر ينتظرها مستقبل مجهول، خاصة أمام صمت السلطات المسؤولة وغياب إستراتجية ناجعة لتطوير القطاع وترقيته.
تسير الصناعات التقليدية والحرف اليدوية في الجزائر نحو الانقراض، بسبب العديد من المعوقات التي باتت تهدد عشرات الورشات ومئات العاملين إلى تغيير وجهتهم، فهناك اجتياح صيني للأسواق المحلية وارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة تسويقه، في ظل ارتباط النشاط بشكل كبير بقطاع السياحة المعروف هو الآخر بتدهور أوضاعه.
وتشتهر العديد من المدن العريقة في البلاد كالعاصمة وتلمسان ووهران وقسنطينة بصناعة النحاس، نظير العادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض الأواني والقطع النحاسية في المناسبات الكبرى كالأعياد وشهر رمضان والأعراس والولائم العائلية، إلا أنه وأمام غزو المنتجات الصينية للسوق المحلية بأسعار جد تنافسية يدفع الكثير من أصحاب ورشات صناعة النحاس ونقشه والعاملين فيه إلى دق ناقوس الخطر أمام كساد بضاعتهم، فرغم جودتها ودقة تصميمها ونقوشها، إلا أن معادلة تكلفة الإنتاج والأسعار تميل بشكل كبير لصالح الصينيين.
وبدت ملامح الحزن على وجه إدريس زولو وهو جالس بورشته بدار الصناعة التقليدية بحي باب الواد بالعاصمة، مداعبا النحاس بأنامله ويفكر في مصير هذه الحرفة المهددة بالزوال بعد أن إمتهنها منذ سن الـ13.
ويرجع إدريس أسباب تراجع مهنة صناعة النحاس إلى “ندرة المادة الأولية وارتفاع تكلفتها وعدم اهتمام السلطات الحكومية بهذه المهنة “.
وأوضح الحرفي وهو يستذكر الماضي بحنين لـ”العرب” بالقول ” كانت المحلات الصغيرة لصناعة النحاس في القصبة السفلى ملتصقة ببعضها لكثرة عددها مما يدل على ازدهار المهنة، وكانت الطلبات تتوافد من كل مكان ومئات العائلات بالعاصمة بل الآلاف في مدن أخرى كانت تعيش من هذه المهنة “.
وأضاف متأسفا أن وضعية مهنة صناعة النحاس لم تعد كما كانت في السابق وعدد الحرفيين تضاءل مقارنة بما كان عليه لدرجة أنه لم يتبق منهم بدار الصناعة التقليدية سوى ثلاثة أشخاص على أقصى تقدير.
وتابع إدريس “لقد تم استبدال العمل اليدوي لصناعة النحاس بالآلات، وزاد نقص الإمكانيات من تفاقم الوضع، فلم تعد لدينا نفس الإمكانيات التي كنا نتوفر عليها في السابق، وأن الكثير من الحرفيين توجهوا نحو مهن يدوية أخرى بسبب ارتفاع ثمن المادة الأولية”.
واستطرد الحرفي “في النهاية نجد أنفسنا غير قادرين على التكفل بالأجيال الصاعدة التي تبدي إرادة قوية في تعلم هذه المهنة الشريفة. وصناعة مختلف الأدوات النحاسية من قطع تزيينية أو أواني طبخ كانت فن عيش ونمط حياة ومهنة متجذرة عند آبائنا وأجدادنا منذ القدم”.
وفي مدن عريقة كالجزائر العاصمة وقسنطينة وعنابة وتلمسان وغيرها كان “إفطار رمضان ومناسبات الأعياد والولائم العائلية والأعراس لا تقدم سوى في أطباق من نحاس، ولا يمكن ارتشاف الشاي إلا من إبريق من النحاس ولا يشرب الماء المعطر بالياسمين إلا من آنية نحاسية”.
وبنبرة من الحزن على الزمن الجميل، يتوقع الحرفي أن تندثر حرفة صناعة النحاس في أقل من 10 سنوات بسبب عدم تناقل المهنة بين الأجيال، نظرا لعدم مردوديتها، فالشباب الذين تكونوا على يديه وأيدي غيره غادروا إلى وجهة أخرى، لأن النحاس الصيني قضى على النحاس الجزائري الأصيل.
ويرى إدريس زولو أن ما يفاقم الوضع أكثر هو غياب السياح الذين كانوا ينعشون هذه الحرفة إلى غاية التسعينيات من خلال الطلب الكبير عليها، ويقول “كان باستطاعتنا خلال تلك الحقبة تصدير بعض منتجاتنا نحو الخارج خصوصا نحو فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وقد مثلت الجزائر في عدة معارض دولية ثقافية وأخرى خاصة بالصناعات التقليدية بكل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية”.
وتقول عائلات عريقة في العاصمة الجزائرية “من يرى الآن لا يصدق أن حي القصبة كان يحتضن سوقا كبيرا ورائجا لصناعة النحاس يقصده الزوار والزبائن والسياح من كل مكان”، ويذكر محمد الذي تجاوز عقده الثامن أنه “خلال العقود الماضية كانت حرفة صناعة النحاس في القصبة رائجة بشكل كبير وسوقها يستقطب يوميا مئات الزوار والزبائن والسياح الأجانب”.
وأضاف “صناعة النحاس في الجزائر تعود إلى العهد العثماني، حيث استقدم العثمانيون الحرفة إلى الجزائر وفتحوا لها ورشات ومحال، وتمكن الجزائريون من التحكم في الحرفة بالاحتكاك اليومي في الحي الذي كان عاصمة لهم، ولذلك توسع النشاط وانتقلت الحرفة إلى العديد من المدن مثل قسنطينة وتلمسان وبعض الأحياء الأخرى من العاصمة، ومع الاحتلال الفرنسي للبلاد في عام 1830 وخروج العثمانيين استمر الجزائريون في النشاط وحققت الحرفة رواجا كبيرا إلى غاية السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات، إلا أنه ومع ظهور المنتوج الصيني وتغير العادات الاجتماعية للجزائريين وتراجع أعداد السياح، أصيبت صناعة النحاس بنكسة كبيرة”.

وتابع “من لا يعرف القصبة لا يصدق أن الحي كان يضم سوقا معروفة ورائجة للنحاس، ولا يصدق أن ورشات ومحال النحاس كانت تصطف وراء بعضها البعض. الكل هجر الحرفة وضيعت القصبة أحد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق