تراهن السلطات الجزائرية على أن تستعيد
مدينة غرداية، الواقعة على ضفاف وادي ميزاب، ألقها السياحي وعودة الزوار الأجانب والجزائريين
بعد موجات العنف التي شهدتها خلال السنتين الماضيتين بين شباب من المالكية وآخرين من
بني ميزاب.
وتعد غرداية بوابة الصحراء ومدينة ليست
ككل المدن في عمرانها والعادات المترسخة فيها منذ أكثر من نصف قرن، ومن هذا المنطلق
تعمل السلطات على ترميم ما لحق بعمران المدينة التاريخي من ضرر. ويعترف المسؤولون في
غرداية بتعطل التنمية بسبب الظروف التي شهدتها المنطقة، كاشفين عن بداية انتعاش الأوضاع
بعد استتباب الأمن، ودعوا في السياق ذاته المستثمرين ورجال الأعمال إلى الاستثمار في
القطاع السياحي، متعهدين بتقديم كل التسهيلات الضرورية.
وحملت المدينة أكثر من تسمية من بينها
“تاغردايت”، وهي كلمة بربرية تعني الأرض التي يحيط بها الماء. وتسمية غرداية تعني الغار
أو الكهف الذي كانت تتعبد فيه امرأة اسمها “داية”. ويقول الباحثون، إنه رغم اختلاف
التسميات فقد وقعت المحافظة على تسمية غرداية في التقسيم الإداري كما يقال لها “بني
ميزاب”، حيث توجد غرداية في سهل وادي ميزاب. ويعود تعمير المدينة إلى الآلاف من السنين،
ودليل ذلك النقوش البربرية الموجودة على الصخور المجاورة للمدينة، وقد أحاطت بالمدينة
الحالية منذ القدم العديد من القصور التي شيدتها القبائل الأمازيغية المعروفة هناك
مثل قبيلة “آت ميزاب” وبعض القبائل العربية التي استقرت بالمنطقة .
وصنفت المدينة في العام 1982 كمعلم تاريخي
ومكسب للحضارة الإنسانية من طرف اليونسكو، بفضل هندستها المعمارية الفريدة من نوعها
والمختلفة عن بقية المدن الجزائرية.
وتحتوي غرداية على سبعة قصور حملت تسميات
عربية وبربرية وهي، “العطف أو تجنينت” و”بنورة أو أث بنور” و”غرداية أو تغردايت” و”بني
يزقن أو أث ييزجن” و”مليكة أو أث إمليشيت” و”القرارة” وأخيرا قصر “بريان”، وبنيت بحسب
ما فرضته الطبيعة الصخرية على المنطقة. ورغم اختلاف هذه القصور في شكلها الهندسي فإنها
تتشابه في طابعها العمراني، كما أن القصر يعتبر مدينة صغيرة، حيث يكون المسجد في مدخل
المدينة وبعده تأتي المنازل، أما سوق كل قصر فيقع خارج المدينة بهدف السماح للأجانب
بدخول السوق دون المدينة وأحيائها السكنية.
وقد خطط القدامى لبناء قصورهم بشكل يجعلهم
قادرين على الدفاع عليها من المغيرين ووقايتها من الفياضانات ومقاومة الرياح، وذلك
من خلال تحديد رقعة المدينة وإقامة سورها، وحرصوا على حفر الآبار على امتداد العمران.
وجعلوا المنازل لا تفتح أبوابها إلا على الداخل.
وتمتاز هذه المنازل بأنها مقللة لإشعاع
الشمس في فصل الصيف، حيث تجد البيوت باردة في عز الحر، كما يمتاز كل بيت بقبو بارد
ينزل إليه أهل البيت عند ارتفاع درجات الحرارة. وتنتشر المساكن المتشابهة والمتلاصقة
في حي واحد به ممر ذو 3 أذرع عرضا يسمح بمرور دابتين لتنظيف المكان.
وتضع وزارة السياحة الجزائرية على باب كل
قصر دليلا لإرشاد السيّاح، يُمنع الدخول من دونه، كما يمنع التدخين داخل أروقة القصور.
ويعد قصر غرداية من أكبر القصور ويمتاز
ببساطة العمران، كالأزقة الضيقة الموصلة إلى قمة القصر، حيث المسجد العتيق ذو الصومعة
ذات الطابع الهندسي الفريد، وله نظام تقليدي لتقسيم مياه الأمطار وتوزيعها لري الحدائق.
كما يعرف قصر غرداية بسوقه العتيق لأجود أنواع الزرابي التقليدية التي تحرص نساء المنطقة
على نسجها بالمنسج التقليدي، الذي لا يزال يحتل مكانة لدى أغلب العائلات، علاوة على
جماليات التحف التقليدية الموجودة به، وعلى رأسها الفخار والنحاس والطين، علاوة على
التوابل والفول السوداني الشهير بالمنطقة.
أما قصر إمليشيت “مليكة”، فينقسم إلى قسمين،
مليكة السفلى ومليكة العليا وتحيط به أربعة أبواب، باب باعبدالله، أميدول، بن طراش،
وإعركوب، وبه مسجد ذو أضلع حادة وبجانبه مقبرة المدينة. وقصر بني يزقن “آث ييزجن” هو
نسبة إلى قبيلة بربرية زناتية، ويعرف قصر بني يزقن بسوقه الأسبوعية الشهير وسده الذي
يسقي غابات مركيش، تلاث، أوقداش، وغابات إنتيسة الساحرة، كما يمتاز هذا القصر بسوره
العالي الذي لا يزال شاهدا على الزمن وبوابته الكبيرة التي لا تزال تغلق كما كانت في
الماضي.
أما قصر بريان ومعناه أهل الخيام، فهو بوابة
قرى بني ميزاب التي تمتاز بالغابات والأجنة الخضراء التي يلجأ إليها الأهالي صيفا هروبا
من الحر.
ويعتبر قصر العطف “تجنينت” كأول قرية بناها
الميزابيون، وهي الكدية والمكان المرتفع عن المحيط، ويشتهر ببعض المصليات الجنائزية.
ويتربع قصر بنورة على جبل وكأنه يحرس الوادي، ويمتاز بجمال عمرانه وجمال بساتين النخيل
فيه، وهو معروف بالتويزة أو التعاون الجماعي في البناء، وكذلك تنظيم زيارة سنوية لمقابر
المدينة للتعريف بسيرة السلف الصالح ممن عمّروا المكان بالخير.
ويعد قصر القرارة، ثاني أكبر القصور بغرداية
وأول مجموعة سكنية حطت الرحال بعيدا عن الوادي بمسافة تقدر بمئة كيلومتر، بالإضافة
إلى أن واحة القرارة تحتوي على عدد هام من منشآت الري، حيث تستوجب حمايتها والعناية
بها لأنها تشهد على تاريخ المنطقة. ويذكر أيضا أن المنطقة تحتوي على آثار وبقايا قصور
مندثرة تسبق تأسيس قصر القرارة، كقصر “الأحمر” وقصر “لمبرتخ” ومناظر ومعالم طبيعية
متنوعة ورائعة كالموائد الصحراوية.
يذكر أن عملية ترميم القصور والمواقع الأثرية
شهدت في السابق عراقيل تتمثل في غياب الشركات الهندسية المختصة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق