بجبالها الراسيات ورائحة صنوبرها الحلبي وأرزها
الأطلسي، وفي طريقها المنعرجة المحفوفة بالغابات حاليا وبخطر الموت المحدق في سنوات
الإرهاب، تعود الحياة إلى جبال الشريعة التي طالما كانت من الأماكن المحرمة على الجزائريين،
بعد أن استوطنها الإرهاب لما يزيد عن عشرية كاملة، بكى فيها الصنوبر والأرز.
من قمم جبال الشريعة الواقعة أعالي مدينة البليدة
-50 كم غرب العاصمة الجزائر- نشاهد عناقا أبديا، بين زرقة البحر وجبال شنوة بعد المرور
بمدينة الورود وسهل المتيجة الأخضر في صورة يخيل للمرء أنه أمام شاشة البلازما الكبيرة،
ولا يعود إلى الواقع إلا بامتلاء رئتيه بكمية كبيرة من الهواء النقي البارد. القادمون
في رحلة البحث عن الطبيعة الخلابة، يستمتعون بموقع الشريعة الذي يتشكل من منعطفات ومنعرجات
تمكن المسافر من رؤية كل معالم مدينة البليدة التي تتناهى في الصغر كلما ارتفعنا نحو
القمة.
ويستمر الطريق إلى أن يعانق البصر قرية جبلية بطراز
معماري يشبه المدن الألمانية القديمة، هذه المدينة تقع على علو 1500 كيلومتر عن سطح
البحر وسط غابات البلوط و الأرز الكثيفة.
وفي القمة لا يمكن للزائر أن يتجاهل اكتظاظ الفتيات
حول عين للمحبة وتسمى "العوينة "، جئن للشرب منها، وهذه العين الطبيعية مرتبطة
بأسطورة تواترها الأجيال وتقول خالتي الطاووس أنها أحضرت بناتها الثلاث للشرب من هذه
العين المباركة لأن كل من تشرب منها يأتيها من يحبها و يتزوج بها.
* كمال العمري: حتى بعدما
سمعت أن الحياة قد عادت إلى جبال الشريعة إلا أنني لا آتي إلا مرافقا بعدد من الأهل
والأصدقاء، ونغادرها بعد العصر مباشرة خوفا من أي طارئ، فرغم أن عناصر الأمن منتشرة
في كل المنطقة لكننا نحتاط دائما، لكننا نستمتع في ذلك اليوم بالهدوء والسكينة ونقاوة
الهواء وجمال الطبيعة حيث يلعب الأطفال وسط رائحة البلوط وأشجار التي تخترق الدماغ
دفعة واحدة.
* ليلى من العاصمة: سمعت من
جدتي أن في قمة الجبل حيث تلتقي القمة بالسحاب ولا يمكن لأحد أن يصل، دفن ولي صالح
كان يعمل على تزويج الفتيات ويجمعهن بالرجال الأكفاء، وبعد موته دفن هناك ومازالت بركته
تصل إلينا عبر هذه العين، وبمجرد التفكير بأن هذه العين هي عين الحب يصبح للشرب منها
طعم آخر، ولايمكن أن ننكر عذوبتها وإن كنت شخصيا لا أومن بما تتوارثه الأجيال من قصص
مختلفة حول هذه العينة، أما عن قبولي الشرب منها فهو إرضاء لوالدتي التي لا يمكن أن
نغير قناعتها.
* الحاج معمر مهاجر في فرنسا:
ألفت المكان وألفت الاصطياف في المنزل الخشبي، فبعدما كنت استأجره من البلدية عندما
كانت منطقة الشريعة في فترة عزها ومجدها، أصبحت اليوم أستأجره من أحد المالكين الخواص
وبأضعاف مضاعفة. وعلى الرغم من أن المنطقة فقدت حيويتها ونشاطها السياحي بفعل هجرها
من قبل سكانها أولا ثم السياح ثانيا، إلا أن خلوتها ومناظرها الجميلة تجلب إليها دائما
ذوي النفوس التواقة للهدوء وراحة النفس والكارهة للضوضاء. جبال الشريعة كانت في وقت
مضى تعج بالزوار شتاء وصيفا، وكان أهالي المنطقة وهم جميعا من الفلاحين يوفرون لنا
العسل واللبن الخالصين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق