بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 27 فبراير 2014

رحلة إلى “الضاية” أو البحيرة الضائعة بين كنوز الجبال






روبورتاج:إسماعيل قاسمي

أن تجد كنزا من كنوز الطبيعة التي لا يعرفها إلا القليل فذلك متعة الاكتشاف، وأن يكون هذا الكنز اسما من أسماء الطبيعة العذراء فذلك إحساس بالبيئة وحب للسياحة البيئية، وأنت تعلم وأنت تستمع لتغريد الطيور وتستنشق الهواء العليل الحاد بنسماته وعبق روائح الأشجار المتنوعة، بأنك تستمتع بأعلى بحيرة على مستوى الجزائر هناك على ارتفاع 1200م سيكون إيمانا بقوة الخالق وروعة إبداعه، سيكون شعورا رائعا بالجمال الطبيعي للجزائر، وستحس بالفخر لأنك محظوظ بين الملايين لأنك تكتشف هذا الكنز الضائع.
بحيرة تمتد على مساحة هكتارين هي أعلى بحيرة في الجزائر ستكون وجهتنا هذه المرة، بوسط جبال الأطلس البليدي بالجهة الغربية في أعاليه بين بلديتي عين الرمانة (البليدة) وتمزقيدة (المدية)، عاد الناس ليكتشفوا هذا الكنز رغم الخلط في كونها تابعة لإحدى البلديتين، وذلك بحسب ما ألفه الناس من زيارتها، فالقادمون من تمزقيدة يسمونها على اسم البلدية، بينما القادمون من سفوح عين الرمانة وموزاية يعتبرونها تابعة لإقليم بلدية عين الرمانة وهو الأصح إداريا. وبعيدا عن كل ذلك تبقى البحيرة واحدة من أهم الروائع البيئية التابعة للحظيرة الوطنية للشريعة وهي محمية عالمية.

الضاية على ارتفاع 1200 متر فوق سطح البحر
في الرحلة الثانية لمجلة تحواس سلكنا الطريق من عين الرمانة إلى جبل تمزقيدة بالسيارة هي طريق ملتوية وليست مهيئة، بعد أن كنا قد اكتشفناها في المرة الأولى سيرا على الأقدام وهي متعة رياضية واستكشافية حقيقية رغم أنها متعبة، كان لابد من المرور عبر ضريح سيدي براهيم ورؤية بعض السكان المتوافدين لزيارة الضريح، بينما نحن كان مرورنا عابرا لأن المسافة لا تزال طويلة ولأننا مصرون على اكتشاف ما ضاع من فرصة على العديد من محبي الطبيعة للتعرف عليه، ورغم ذلك إلا أننا لم نمر بدون التحدث عن إمكانية إقامة مركب سياحي بهذه المنطقة وهو ما علمناه من خلال الصحافة الوطنية.

منطقة سيدي براهيم ويبدو هناك ضريح الولي الصالح
نواصل درب رحلتنا المتسارع على السمو والارتفاع، وكلما زاد ارتفاعنا وابتعادنا عن القرى ومدن سهل المتيجة، نوقف السيارة لننزل ونلتقط بعض الصور ونتحدث عن الجبال التي تقابل الظهرة، شنوة، الساحل وحتى زرقة ميها البحر المتوسط الذي أصبح يبدو جليا. حتى نصل إلى لافتة ترحب بنا في “الحظيرة الوطنية للشريعة” وبين الفينة والأخرى لافتات تنصح بالاهتمام بالبيئة والاستمتاع الإيجابي بمكنوناتها الثرية، تنصح بتفادي التلوث الصوتي، وأخرى تحذر من سرعة الالتهاب بتلك المنطقة الغابة..

لافتة ترحيبية للحظيرة الوطنية للشريعة

                       
وقبل أن نصل إلى البحيرة المنشودة بحوالي الكيلومتر ونصف، نصل إلى المنعرج الفاصل بين المناظر التي تطل على المتيجة (تيبازة، البليدة والعاصمة)، والمناظر التي تطل على الأطلس البليدي من جهة ولاية المدية، عند ذلك المنعرج يوجد مقام الشهيد (تامزقيدة) على ربوة ترتفع ب 1300 متر على سطح البحر، وهو نصب يخلد شهداء المنطقة لننشد معا “من جبالنا طلع صوت الأحرار”. وكأننا في رحلتنا يجب أن نتحدث عن كل ما مررنا عبره، عن قوة الصناعة (المنطقة الصناعية لعين الرمانة) ولزوم الفلاحة في التنمية (فعين الرمانة بلدية فلاحية معروفة)، ونتذكر التاريخ والثقافة والحضارة بتذكر الأولياء الصالحين والشهداء ومراعاة الثقافة الشعبية، ولن نغفل بكل تأكيد الاهتمام بالبيئة والتي هي سر جولتنا.

مقام الشهيد تامزقيدة

                       
الهدوء والسكينة يلازمان المكان، قليلة هي السيارات وهم المستكشفون، السيارة يجب أن تمشي ببطئ بغية الاستمتاع بشكل أكبر بالمناظر البديعة، وحتى لا يفوتك حيوان أو طائر، رؤية كهف ما، والانبهار بالوادي السحيق، تستمتع بعبق روائح الأشجار والغابات، تحس برائعة الهدوء والطمأنينة والابتعاد عن ضوضاء المدينة. للأسف هذه المرة لم نلتق بشخص ما يحمل شيئا من الفاكهة، كتلك الرحلة السابقة  مشيا على الأقدام التي توجنا في آخرها بكمية كبيرة من التوت البري أهدانا إياها أحد الشباب الذي تفاجأ بنا هناك بعد مسيرة طويلة من المشي، ولكن لحسن الحظ هذه المرة أيضا لم نخطئ الطريق كالمرة الفائتة حتى وجدنا أحد أعوان الحرس البلدي الذي كان دليلا لنا إلى الطريق المستقيم.

الضباب يغمر المكان ثم يفسح المجال للشمس الدافئة تارة أخرى
وصلنا إلى أول إطلالة على البحيرة البديعة، وأول ما أخذته على كتفي لكمة من صديقي الذي شكرني على هذا المكان الجميل، وكلمات تعظم الخالق وتوحده سبحانه، بينما كنت أتوق للنزول والتقاط العديد من الصور الفوتوغرافية، كان السائق يلح على عدم التوقف حتى نصل، وفي الأخير تمكنت منه ونزلنا لنستنشق قبله الهواء الطبيعي وروائح النباتات “مرحبا بالطبيعة، تخلصنا من السيارة، من الصناعة، من المدينة…” نناديه من بعيد أن أوقف سيارتك لأنها تلوث المكان، لأنها تزعج الطيور والحيوانات.

عائلات تستمتع باكتشاف النباتات وبعض الحيوانات
لم يكن هناك الكثير من السياح والزوار، ولكن أحد الشباب من بني المنطقة أكد لنا أنهم يتسابقون للمجيء بالخصوص يوم الجمعة حيث يمتلئ المكان ويعج بالسيارات، تبقى العائلات بالقرب من البحيرة، بينما يغامر الشباب باكتشاف المزيد من ضواحيها وغاباتها عبر ثلاث طرق أخرى، واحدة باتجاه بلدية تمزقيدة، أخرى إلى بعض الغابات ومنبع البحيرة “الماء الأكحل”، والثالثة باتجاه منزل قديم غير مأهول ومنطقة تطل على الجانب الآخر من ذلك الارتفاع، حيث تبدو ولايات المدية، عين الدفى وتيبازة والبليدة، ويبدو أيضا سد المستقبل (ببومدفع) وهو المتدفق في وادي بورومي، كان منظرا خلابا خصوصا أنه استقبلنا بغروب شمس بديع.

يتغير الجو كثيرا وسرعان ما ينقشع الضباب مرة أخرى

                          

غادر الجميع المكان، وكنا آخر من يهُمُّ بالانصراف حتى بعد أبناء المنطقة، لنترك بحيرة الضاية، المحمية البيئية العالمية  التي تعد مخزنا متنوعا للثروة الحيوانية والنباتية، أنواع الطيور كاللقلق، النسر الملكي، الحجل، البط، النسور، العقاب والعديد من الطيور المهاجرة،كما تعرف الغابة المحيطة بالبحيرة تنوعا كبيرا في الاشجار والنباتات كشجر البلوط والكستناء والقندول والأعشاب الطبية المختلفة.

الجيل الذهبي للمنتخب الجزائري



مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ظهر في المنتخب الجزائري جيل جديد من اللاعبين المتميزين والمحترفين أمثال : " لخضر بلومي، رابح ماجر، صالح عصاد، مصطفى دحلب، نور الدين قريشي... ". وبعد حصول الجزائر على ميدالية ذهبية في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في الجزائر العاصمة، وميدالية ذهبية أخرى في دورة الألعاب الإفريقية سنة 1978. تمكنت الجزائر بفضل منتخبها القوي من التأهل إلى كأس العالم في مرتين متتاليتين الأولى في دورة 1982 في إسبانيا، والثانية في دورة 1986 في المكسيك وكذلك الفوز ببطولة كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في الجزائر سنة 1990.

الأربعاء، 26 فبراير 2014

أم البواقي.. عراقة التاريخ، واستراتيجية الجغرافيا





ولاية أم البواقي ولاية جزائرية تقع في الجهة الشرقية من البلاد. يحدها من الجنوب ولاية خنشلةومن الغرب ولاية ميلة وباتنة ومن الشمال ولاية قالمة وولاية قسنطينة. تبعد عن عاصمة الجزائر بحوالي 500 كم وعن الساحل المطل على البحر الأبيض المتوسط الذي يقع شمالها بحوالي 160 كم وعن حدود الجمهورية التونسية بحوالي 200 كم.
تم ترقية المدينة ام البواقي إلى مصاف الولايات ابان التقسيم الإداري لسنة 1974،
تسمى ولاية أم البواقي بولاية جبل سيدي ارغيس الذي يحيط ببلدية أم البواقي الشيء الذي يعطيها منظراً طبيعياً رائعا ، كما تعتبر ولاية أم البواقي الولاية النموذجية في الجزائر حيث أن كل الطرق والبنايات موضوعة بشكل لا يمكن القول عنه إلا بأنه رائع
كانت تسمى ماكوماداس في العهد الروماني وبعدها سميت بكان روبار نسبة إلى المارشال CANROBERT الذي اتخد من المدينة مقرا له. تم اتخاذ المنطقة كمركز مراقبة وامداد للاستعمار نظرا للموقع الاستراتيجي الذي تحتله المدينة، ويقدر عدد سكان المدينة بحوالي70الف،

ومن أكبر المدن بالولاية:
   

مدينة عين البيضاء بولاية أم البواقي هي مدينة تقع في شمال شرق الجزائر. واحداثياتها هي 35.48 شمالا 7.8 شرقا ويبلغ عدد سكانها 300000 نسمة اما 10000 الأخرى تتقاسمها الأرياف المجاورة لعاصمة الحراكته مدينة مشهورة بالتجارة وخاصتا الاقمشة والخضر والفواكه
دائرة عين مليلة فهي من أكبر دوائر الولاية وتمتاز بمناطق زراعية حيث الأرياف وتربية المواشي، أما وسط المدينة فهو مركز كبير للتجارة بكل أنواعها حيث يباع كل شيء يبحث عنه الزبون خاصة قطع غيار السيارات والأجهزة الالكترومنزلية وتكاد تعد هذه المدينة منطقة صناعية ضخمة بالجزائر.(تسعى الجزائر لتحويلها قطب تجاري وصناعي ضخم)
عين فكرون (دائرة + بلدية) من حيث التعداد السكاني والذي يقدر ب80000نسمة والمساحة.تعتبر عين فكرون المصدر الرئيسي لمداخيل الولاية إذ تدير تجارة معتبرة وأنواع شتى من اللبوسات والمفروشات والاحذية. وتعتبر المدينة مقصد الكثير من الزوار والمتبضعين نظرا للاسعار الزهيدة والكم المتنوع للسلع.كما نجد مدينة سيقوس التي توجد بهااثار رومانية تنتظرالاستغلال.
دائرة سيقوس والتي تعتبر من أهم المواقع الأثرية، حيث توجد مدينة كاملة لشعب الدولمان، غير أنه لم يتم كشف النقاب بعد عن هذه الآثار بعد، ونظرا لوجود مدينة كاملة تحت غابة "العزري" فإنه تم كشف القليل القليل من هذه التحف الأثرية.وتعتبر دائرة قصر الصبيحي أقدم مدينة في الولاية كما أن بها مدينة رومانية عبارة عن حصن وبعض المساكن.
وتتكامل مرافق الدوائر والبلديات الولاية : إذ تعد ام البواقي قطب إداري تعليمي، فيما تعد عين البيضاء قطب التجارة التقليدية، وعين مليلة قطب التجارة الإلكترونية وقطع غيار السيارات وغيرها، فيما تعتبر عين فكرون قطب التجارة للالبسة والمنتجات الصينية وغيرها وهي بهذا تشكل تكامل وتجانس فيما بينها.

كما تعرف مدينة قصر الصبيحي بآثار رومانية مشهورة باسم الجوهالة وهي مدينة سياحية تبد عن عاصمة الولاية30كلم كما تشتهر بطيبة سكانها

عهود الحكم العثماني للجزائر



استمر الحكم العثماني للجزائر من عام 1509م الى غاية الاحتلال الفرنسي عام 1830م. حيث اجمع المؤرخون على تقسيم هذه الفترة الطويلة من الحكم إلى أربعة عهود وهي كالتالي:
أ- عهد البايلربايات (1519م-1587م)
وبدأ حكام مدينة الجزائر يطلق عليهم هذا اللقب ابتداء من 1519م، وهو التاريخ الذي دخلت فيه مدينة الجزائر تحت راية الحكم العثماني بصفة رسمية، وكان أول من حمل هذا اللقب هو "خير الدين" استنادا إلى الفرمان الذي أصدره السلطان العثماني "سليم الأول"، أن يكون التعيين رسميا من طرف السلطان .
كما لمعت في هذه الفترة عدة شخصيات نذكر منها: "صالح رايس" الذي قام باسترجاع وتحرير بجاية، ووضعوا حدا لأطماع الإسبان، وطردوا منها بصفة نهائية سنة 1555م .
ولقد تولى هذا المنصب (منصب بايلرباي) ثمانية عشر شخصا من الأتراك أولهم كما ذكرنا سابقا خير الدين (1519م-1534م) وآخرهم حسن فنزيانو (1583م-1587م) ، وتميزت هذه المرحلة من الحكم أن معظم من شغل هذا المنصب هم من طائفة رياس البحر الذين كان ابلغهم من رفاق خير الدين .
ب- عهد الباشاوات (1587م-1659م)
في سنة 1587 تم إلغاء نظام البايلربايات، واستبدله بنظام الباشاوات وهذا التغيير عين من قبل السلطان العثماني "مراد الثاني"، حيث اصدر فارمان إلغاء نظام البايلربايات واستبداله بهذا النظام، فاخذ الباب العالي بإرسال الباشاوات لحكم مدينة الجزائر ابتداء من 1587م ، وكان هؤلاء الحكام يديرون شؤون الدولة بمعاونة اللجنة الاستشارية مؤلفة من: وكيل الخرج، الخزناجي، خوج الخيل والأغا، وفي هذه المرحلة كان الباشاوات يعينون لثلاث سنوات .
وأول باشا عين طبقا لهذا التنظيم الجديد هو "دالي احمد باشا" (1587-1589م) وتداول على هذا المنصب أربعة وثلاثون حاكم منهم من شغل المنصب لمرتين مثل "حسين الشيخ" (1613م-1616م)، وكان آخرهم الباشا "إبراهيم" (1656م-1659م) .
ج- عهد الأغاوات: (1659م-1671م)
انتقل النظام من الباشاوات إلى الآغاوات، وكان هذا عام 1659م، وكان الأغاوات ينتخبون من الفرق الانكشارية لمدة شهرين قمريين لهذا كانوا يعرفون ب "أغا المقريين"
ولكي لا يستأثر بالأغا بالسلطة فقد تقرر أن يستعين الحاكم بالديوان العالي . وقد تميز هذا العصر بمحاولة انفصال الجزائر عن الدولة العثمانية ، ضف إلى ذلك النظام لم يدم طويلا، فالأغا يتولى الحكم كما اشرنا سابقا لمدة شهرين ثم يعزل، لذا تشبث الأغا بهذا المنصب ورفضوا التنازل عنه مما أدى إلى عزلهم بطريقة غير طبيعية كالقتل وأول من تولى هذا المنصب هو "خليل أغا" (1659-1660م) وجاء بعده ثلاثة أغوات كان آخرهم "علي أغا" (1665م-1671م) .
د- عهد الدايات (1671م-1830م):
نتيجة الأوضاع التي شهدها عهد الأغوات من النزاعات الشخصية والمؤامرات والانقلابات ضد بعضهم البعض والاغتيال حتى أن كثيرا من ولاة هذا العهد عزلوا أو قتلوا أو ابعدوا بعد شهرين أو أقل من تعيينهم في مناصبهم، وأدت هذه الحالة إلى ظهور طبقة الرياس واختفاء نظام الأغاوات وظهور عهد الدايات 1671م، والذي دام طويلا واندمج فيه الجنود الانكشارية بطائفة الرياس واختفى الصراع بينهما. وتمكن بعض الدايات من الاستقرار في الحكم مدة طويلة خاصة في القرن الثامن عشر، وكانت هناك بعض التنظيمات تحد من سلطة الداي في أوائل هذا العصر، ولكن في العصور المتأخرة حكموا حكما مطلقا وأصبح للداي الحرية المطلقة في الحكم والإدارة والتفاوض مع الدول الاجنبية وعقد المعاهدات السلمية والتجارية، ويعلن الحرب والسلم ويستقبل الممثلين الدبلوماسيين الأجانب، ومنه يعد عهد الدايات بداية لعهد الاستقلال الكامل للدولة الجزائرية عن الدولة العثمانية ولم تبقى إلا بعض الشكليات ، وأول من تولى هذا المنصب هو الداي الحاج باشا (1671م-1682م) وجاء يعده أربعة وعشرون دايا كان آخرهم الدي حسين باشا (1818م-1830م) والتي كانت فترة حكمه أطول من الفترات في عهد الدايات .

مدينة الجزائر خلال الحكم العثماني




كانت مدينة الجزائر أيام الاحتلال الروماني تعرف باسم "ايكسيوم" ثم خرجت أثناء هجمات الوندال وثورات البربر وأصبحت مقرا لقبيلة بربرية تدعى "بني مزغنة" وفي القرن العاشر ميلادي، الرابع هجري أسس بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي مدينة لقبها "بجزائر بني مزغنة".
وأخذ نمو الجزائر يتزايد إلى أن هاجمت القبائل العربية سهول متيجة فاستولت قبيلة الثعالبة على جزائر بني مزغنة وسكنتها، ولما وضعت الدولة الزيانية تكالب الإسبان على سواحل إفريقيا واحتلوا الجزائر وأسسوا حصنا على إحدى صخورها "البينون" .
ونتيجة للضغوطات الإنسانية على سكان الجزائر استنجدوها بالأخوين عروج وخير الدين بربروس للتخلص من الخطر الاسباني المحدق بهم، لأنهم على علم بعدم قدرتهم على مواجهة الجيوش المسيحية، وذلك بسبب ضعفهم وصراعاتهم الداخلية . وعندما نجح عروج في القضاء على شيخ المدينة سالم التومي ونصب نفسه حاكما عليها، حرض الإسبان أنصاره للتخلص من عروج وأتباعه، وشنوا بدورهم حملة عليهم 1516م باءت بالفشل. وحملة أخرى في 1518 نجحت في القضاء عليه، كما وجهوا حملة جديدة على مدينة الجزائر سنة 1519 للقضاء على خير الدين ورفاقه باءت هي الأخرى بالفشل. قام أهل الجزائر في أثرها بتحريض من خير الدين بطلب الحماية من السلطان العثماني في مقابل الانطواء تحت لواء الدولة العثمانية وهو ما لقي القبول عنده، وقام بمساعدة الجزائر بألفي من الجند الانكشاري وبمثلها من المتطوعين وتعيين خير الدين بايلربايا على الجزائر وذلك أواخر 1519م .
قد اتخذ خير الدين مدينة الجزائر عاصمة له، وفي عهده وعهد خلفائه اتخذت مركزا منبعا، تحطمت أمامه كل الهجومات الاسبانية وغيرها، حتى أطلق عليها المدينة التي تقهر، أو المدينة المحروسة، ودار الجهاد، ودار السلطان ولم تنجح سوى الحملة الفرنسية في سنة 1830م في احتلالها .
أولا: موقع مدينة الجزائر.
تقع مدينة الجزائر بين خطي عرض 36.46 شمالا وخط طول 3.3 شرقا، وبالتالي تقع في إقليم وسط البلاد، جناحها الغربي الإقليم الوهراني، وجناحها الشرقي الإقليم القسنطيني .وهي مدينة بحرية مبنية على شاطئ البحر على قاعدة واسعة نسبيا في شكل نصف دائرة على هضبة سريعة الانحدار .
ويمتد إقليم مدينة الجزائر من دلس شرقا، إلا تنس غربا، ومن ساحل البحر شمالا، إلى سفوح الأطلس البلدي جنوبا، وتضم إقليمي الساحل ومتيجة مع بعض الامتدادات في بلاد القبائل والتيطري . وقد تحولت من مرسى صغير، يلجأ إليه الصيادون ويؤوى إليه المسافرون كمحطة ثانوية عند هبوب العواصف إلى مرسى كبير يستقبل مختلف السفن والبضائع، ويقصده التجار من الداخل والخارج.
كما تحولت من قرية مجهولة وعرة المسالك معلقة على صدر الجبل، إلى عاصمة البلاد، كثيرة العمران وافرة السكان .
وقد كان للمدينة خمسة أبواب هي:

أ- باب عزون:
نسبة إلى أحد الثوار من الأهالي اسمه عزون، ثار ضد الحاكم التركي، وحاصر المدينة لكنه قتل من طرف الأتراك. وباب عزون من أهم أبواب المدينة، ومنه كان يدخل القادمون من الجنوب والشرق ومن السهل المتيجي. وكان له جسر يرفع أثناء الخطر .
ب- باب الجديد:
يقع في الجهة الجنوبية الغربية يدخل منه القادمون من البليدة والغرب .
ج- باب الوادي:
نسبة إلى الواد الذي يمر بجانب المدينة، يفتح هذا الباب على الشمال أو الطريق التي تمر بجبل بوزريعة، وهو أقل الأبواب أهمية، ينتهي بجسر يرفع وقت الخطر .
د- باب الجزيرة:
وسمي بباب الجهاد، لأنه الباب الذي كان مخصصا لدخول وخروج القراصنة. وهو أشد الأبواب متانة ومناعة، تقع بجانبه عدة ثكنات للانكشارية البحرية .
و- باب الديوانة:
ويسمى أيضا باب البحر، أو باب السردين كان مخصصا للتجارة البحرية، ولقد علقت بهذا الباب خمسة أجراس، قيل بأنه جيء بها من مدينة وهران سنة 1708م وعلقت على باب الديوانة تخليدا لذكرى الإنتصار على الإسبان واسترجاع مدينة وهران .
كل هذه الأبواب كانت كبيرة الحجم متقنة الصنع، مرصعة بالحديد، تغلق قبل غروب الشمس بقليل وتفتح بعد طلوع الشمس بقليل، يكثر بها الحراس، وتشتد بها الحراسة حتى لا ينسل منها إلى المدينة مشبوه فيه وتحاديها القلاع والثكنات، وكان داخل هذه الأبواب أبواب أخرى ثانوية مثل البابين الداخليين بالقصبة العليا والباب الداخلية فيما وراء باب الجزيرة أو الدزيرة .

الثلاثاء، 25 فبراير 2014

فضليات من عمق التاريخ الجزائري

لالا زينب شيخة زاوية الهامل ببوسعادة

كما ظهر بين الرجال أبطال، وزعماء، وعظماء، ظهر بين النساء بطلات، وزعيمات، كانت لهن شهرة ومكانة بفضل جهودهن، وأعمالهن، وتقواهن وطبعهن ببصمات أصابعهن كل جوانب حضارة هذا البلد، ومن بينهن:
ـ السيدة خديجة التي أطلق اسمها على أعلى قمة في جبال جرجرة.
ـ والسيدة تاسعديت قرب باب عزون بالجزائر (وقد اندثر قبرها).
ـ والسيدة يمة حوة بالعاصمة التي يقام حول قبرها بالحراش، وباب الواد عيد الفول خلال شهر ماي من كل عام.
ـ والسيدة حلولة.
ـ والسيدة تيفاوت في جبال بني صالح قرب البلدية.
ـ والسيدة تاوريرت.
ـ والسيدة ستي بأعالي مدينة تلمسان التي على قبرها ضريح وقبة.
ـ والسيدة الحاجة مغنية بمدينة مغنية قرب الحدود المغربية.
ـ والسيدة يمة وسعة في أولاد القطران.
ـ والسيدة يمة ميمن في واد بني عزة.
ـ والسيدة صفية جدة أولاد أنهار في عين الصفراء.
ـ والسيدة عائشة بنت الشيخ بالقنادسة قرب بشار.
ـ والسيدة مدرة في تاصفاوت بتوات.
ـ والسيدة رابحة في أوقيروت بالصحراء.
ـ والسيدة البهجة في تقرت، وأصلها من الساقية الحمراء.
ـ والسيدة تركية بنت عمر التلمسانية، التي كانت تلبس كالرجال وتركب الحصان، وهي من دوار العوايد، قبيلة معصم في عمي موسى.
ـ والسيدة خديجة بنت برباح في واد معزة، وتلبس مثل الرجال كذلك، وتضع على رأسها خيط البريم الأسود.
ـ والسيدة الضاوية بأولاد عمر في جبال الونشريس، وكانت تذهب كل سنة إلى عمي موسى للمشاركة والحضور في وعدة، وزردة، الشيخ سيدي رابح بواد رهيو.
ـ والسيدة عودة بنت سيدي محمد بن علي بن البهلول.
ـ والقايدة حليمة بنت الشيخ محمد بن يوسف الزياني، في مدينة سيق، وكانت امرأة متحررة تركب الخيل، وتشارك زوجها في حفلاته واستقبالاته لأصدقائه، ووالدها هو مؤلف كتب دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران.
ـ والسيدة زينب القاسمي شيخة زاوية الهامل التي أدارت الزاوية ثمان سنين من عام 1897 إلى عام 1904م، وكانت مثقفة ثقافة متينة أهلتها لتلك المهمة التي يعجز عنها الرجال.
ـ والسيدة رقية بنت عبد القوي بن محمد البجائي الأصل، والمكي الدار، كانت هذه السيدة من فضليات النساء في عهدها علما، وأخلاقا، وسلوكا، هاجرت مع والدها إلى الحجاز، وتوطنت معه بمكة المكرمة، وأجازها الحافظان: العراقي، والهيثمي، وابن صديق، والزين العراقي، وأجازت هي السخاوي صاحب الضوء اللامع.
ـ والسيدة العلجة بنت بوعزيز بن ناصر الحنانشي التي أنجدت أباها عندما هاجمه الأتراك عام 1724م وألحقوا به الهزيمة، فركبت حصانها ونادت في النساء قائلة: "أنا العلجة بنت أبو عزيز بن ناصر، وعلى من يريد أن يفعل مثلي أن يتبعني"، وعرت عن عنقها ونهرت حصانها، فثارت حمية المنهزمين الذين تجمعوا في الحين، ولاحقوا الجنود الأتراك، واستردوا منهم بعض ما سلبوه، وأسروا خليفة الباي، وقتلوا البعض، وخلد أحد شعراء الملحون بطولة هذه المرأة الشجاعة وقال:
صاحوا اليوم سادات في الحروب أبدان            أهل العلوم يقروا من الحمد للبقرة
يـــندهو إلى شــياخ القــومان            بنت بوعزيز سيدة الرجـــالة
راكبا على رزقا تنطـمي فرخ الجان             تسبق الغزال تشطنه تزيد في لغواط
ســيد بوعــزيز صدعاكم البارود             يوم الطـــراد مكفوخ هد ينكالي
راكب على نحيفة وســرجها يزيلن            شــمعة ضوات في فج نار شعالة
   ورغم كثرة الصعوبات فإن المرأة الجزائرية لم تستسلم، ولم تفشل، ولم تتوقف عن العمل، وبذل الجهد، وتحملت معاناة التقاليد البالية، وسايرت الأوضاع خاصة في الريف، حيث شاركت الرجل في كل الأعمال والمهن، وحاربت معه وقاومت جيش الاحتلال في ساحات الوغى على مدى سبعين عاما من 1830 إلى 1900م، فبرزت المجاهدة الشجاعة فاطمة نسومر، مقدمة الطريقة الرحمانية بجبال جرجرة، وقهرت عددا كبيرا من كبار الضباط والجنرالات أمثال: ماكماهون، وبوسكي، وكامو، وراندون، وبيليسيي في عقد الخمسينات من القرن 19م.
   وبرزت الحاجة الزهرة في نفس الفترة، وآزرت الشيخ المجاهد والمقاوم الكبير الشريف محمد بن عبد الله وزوجته مريم، وحشدت له عددا من المقاومين والمجاهدين في تقرت وورقلة، والرويسات، ودعمته بالدعاية والتموين، وشاركت الأمير عبد القادر بآرائه حول المرأة في إجاباته التي قدمها للضابط الفرنسي أليكساندر دوما.


من كتاب: المرأة الجزائرية  للدكتور يحي بوعزيز رحمه الله 

تيميمون.... منطقة سياحية بإمتياز ووجهة مفضلة للسياح




 تزخر مدينة تيميمون، التي تبعد بحوالي  210 كلم عن مدينة أدرار،بمناظر سياحية خلابة و تراث حضاري  مادي و لامادي ضارب في جذور التاريخ ، كما يتميزأهلها بالطيبة و الجود على غرار سكان الجنوب الجزائري  .
وتتمتع مدينة تيميمون بشهرة تعدت الحدود وأضحت شهرتها عالمية بدليل أنها أصبحت قبلة للكثير من السياح سنويا.
وفي سياق متصل كشف رئيس جمعية مصابيح للتراث والثقافة ولد الصافي يحي، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر بأدرار، أن مدينة تيميمون تعتبر منطقة سياحية معروفة بتراثها وثقافتها وبكل فنونها المتنوعة.
وكشف المتحدث أن هنالك أسبوع ثقافي يقام بزاوية سيدي الحي بلقاسم والتي تعتبر مسقط السبوع أين يتم تنظيم عدة نشاطات ذات طابع ثقافي و اجتماعي حيث يلتقي أبناء عائلة و لاد حمو و يلتقون بسكان المنطقة بالإضافة إلى عابري السبيل.
  الصناعة التقليدية حاضرة بتيميمون سيما نسج الزرابي وفي ذات الشأن كشفت الفنانة مختصة في الفن التشكيلي خديجة صديقي، في تصريح  لإذاعة الجزائر بأدرار، أن أصل هذه الصناعة ينحدر من منطقة ولاد سيدي الشيخ بالبيض والتي تتزين جل بيوتها باحتوائها على منسج مشيرة إلى أن منطقة تيميمون تتمتع أيضا بكونها تشمل على تراث  صناعة الفخار حيث يتفنن المبدعون في تزيين التحف و يستعملون رسومات خاصة بهم.
من جهتها  دار الثقافة لتيميمون  تعتبر خلية نحل لمختلف الفاعلين وتوجد بها جمعية "تيفة وتيزيري "، التي يدل اسمها على الضوء وشعاع القمر، وتسعى إلى المحافظة على "أهاليل" هذا النوع من الشعر الشعبي الذي تم تصنيفه من طرف منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي اللامادي.
وفي ذات الشأن أفاد العضو بجمعية "تيفة وتيزيري " عبد الرحمن تبغو، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر بأدرار، أن دور الجمعية في إثراء التراث الثقافي اللامادي الذي أضحي اليوم مهددا بالزوال  مضيفا ان الجمعية تأسست للمحافظة على التراث خاصة تراث أهاليل.وفي سياق متصل صرح المتحدث أن الجمعية قامت بتـأسيس قسم لتعليم فن الأهاليل للصغار وللكبار.
 و في معرض حديثه قدم المتحدث ذاته تعريفا  لفن أهاليل الذي  يعتبر ديوانا شعريا أمازيغيا حرا يغنى .
 وفي سياق متصل كشف صاحب الورشة والعازف على الآلات الموسيقية المحلية قسطالي الهامل، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر بأدرار، أن الآلات المحلية هي آلات تم اختراعها منها التقصريت والتي ترمز إلى التقصريت التي تقوم بتوزيع ماء الفوقارة وهي على شاكلة البيانو وتقوم بإصدار صوت يسبه لصوت المياه.ولم يخف المتحدث أن هنالك آلة موسيقية إيقاعية أخرى يطلق عليها تسمية ايزقن كما أن هنالك القيتارة و الموندول إلى جانب آلات أخرى عديدة.
وبمدينة تيميمون توجد أيضا مغارة ايغزر، وهي تسمية أمازيغية تعني الوادي، وتعتبر مقصد للسياح الجزائريين والأجانب .وفي سياق متصل أفاد احد السياح الجزائريين، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر بأدرار، أنه قدم من مدينة باتنة ويقوم لأول مرة بزيارة هذه المنطقة السياحية الرائعة مشيدا بما تشمل عليه من مناظر خلابة .
 كما  كشف سائح آخر، في تصريح أدلى به لإذاعة الجزائر بأدرار، انه اعجب كثيرا بالمغارة .


المصدر: موقع الإذاعة الجزائرية

الاثنين، 24 فبراير 2014

مقبرة سيدي يحي بالعاصمة من ضريح قديم مهجور إلى مرقد الأثرياء و المشاهير



تقع هذه المقبرة بين بئر مراد رايس وحيدرة، بمنطقة سيدي يحي التي تحولت في عشرية من الزمن من مكان نكرة إلى حي راق، على الطراز العالمي، وهي في اصلها ضريح الولي الصالح سيدي يحيى الذي يسكن أعلى الهضبة في قبة قديمة جدا وسط مقبرة قديمة جدا تعود إلى قرون قديمة
هذا الولي الصالح نسجت حوله الكثير من الروايات والأساطير، البعض منها أقرب إلى الخيال، إذ يصف البعض قدرته على الشفاء من الوساوس والجنون وحتى العنوسة والعته والعقم ومختلف الأمراض، بينما يميل بعض العارفين به إلى سرد حكايات عن زهده وتصوفه، ويروي آخرون حكايات شعبية وصفت سيدي يحيى الطيار وإخوته الستة، أنهم كانوا من العبّاد وأنهم ينحدرون من عرش "بني غبري" المرابطين في المكان المسمى حاليا "أزفون" بولاية تيزي وزو، وعاشوا من الزاهدين الصالحين، ثم تفرقوا في أنحاء كثيرة من الوطن، ونال سيدي يحيى الطيار من جملة إخوته حظا وافرا من حكايات الناس منذ القدم، إذ تداولت الألسنة حكايات جميلة تصف حسنه وجماله وكمال دينه، لاسيما وأنه عاش أعزبا ومات زاهدا.
ضريح سيدي يحيى الذي يظهر بقبته التقليدية يشبه عند مدخله مسكنا عاديا، وعند المدخل نجد عجوزا كأنها من زمن آخر، تسكن بجانب القبة وتسهر على رعاية الضريح·· إسمها ''ليلى''، عمرها 77 سنة، وأصلها من آزفون، وهي المنطقة نفسها التي ينحدر منها ذلك الولي، وتقول بشأنه أنه كان وسيما ومات أعزبا، وهو أحد سبعة أشقاء كلهم من أولياء الله الصالحين، وكل واحد له قبته الخاصة وضريحه في مناطق مختلف، وهو شقيق سيدي لكحل دفين منطقة حيدرة المجاورة

قبة الولي تحتل موقعا يتوسط المقبرة  في قمة الهضبة، إذ يشعر زائرها أنه أقرب إلى السماء عنه من الأرض، خاصة مع تناغم أصوات الرياح التي  تضفي على المكان هالة روحية وسكونا رهيبا،  لاسيما وأنّ الضريح مميز جدا إذ تبدو عليه آثار السنين،  وحتى شكل العمارة القديمة التي كانت سائدة أثناء الوجود العثماني زاد من روحانيته، وتتوسط إحدى جدران المبنى نافذة صغيرة تطل على الضريح، وعلى مقربة من الضريح يتوزع عدد من المقابر يتبين من شواهدها أنها لمتوفين يقال أنهم من سلالة سيدي يحيى الطيار، البعض منها توفي خلال سنوات 1917و 1920 ميلادي، بينما تكتظ المساحة الباقية بقبور حديثة لأهل الحي والمناطق المجاورة، التي بطبيعة طرازها الراقي فإنها تدفع للمقبرة بموتاها من السياسيين وقدماء المجاهدين، واهل الشهرة.

الشيخ المقرئ الداعية محمد كتو ـ رحمه الله ـ




الكثير من الجزائريين البالغين سن الثلاثين فما فوق يتذكرون الشيخ محمد كتو الذي كان يسمعنا بصوته الجهوري العذب " الحديث الديني " صباح كل يوم على الساعة السابعة في الإذاعة الجزائرية ، كما كان يطل علينا بطلعته البهية كل يوم اثنين و جمعة في التلفزة الجزائرية يقدم حصة تدوم نصف ساعة بنفس العنوان فكان يشرح للجزائريين أمور دينهم بأسلوب جذاب ، و بلغة سهلة بسيطة يفهما العامي و المثقف، فكانت الأسر الجزائرية تتعلم منه و تتفقه عليه فجزاه الله خيرا و رحمه الله رحمة واسعة.

نسبه و مولده و أصله :

هو محمد بن الشيخ احمد بن محمد بن الحاج السعيد كتو من قرية تيفريت نايت الحاج من قرى أزفون في منطقة القبائل الكبرى ، هاجر والده الى تونس سنة 1890 م فرار بدينه و لغته من مضايقات و ظلم الاستعمار الفرنسي الغاشم ، حيث استقر بقرية ( بجاوة ) التابعة لمدينة ماطر التي تبعد عن العاصمة تونس بحوالي 60 كلم، أين ولد مترجمنا يوم 15 ديسمبر 1915 م ففتح عينيه على المصحف الشريف و أذنه على صوت أبيه و هو يرتل القرآن الكريم أناء الليل و أطراف النهار لان والده الشيخ كان من مقرئ القرآن الكريم و من المداومين على قراءته و ترتيله ، فحفظ القرآن الكريم و هو في ما يوال طفلا ، و لما اتسعت مداركه قليلا اخذ والده يعلمه مبادئ اللغة العربية و تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، و بعد ان تعلم المبادئ الأساسية للفقه المالكي ، و حفظ بعض المتون ، ألحقه والده بجامع الزيتونة المعمور ليتابع مختلف العلوم و الفنون و تخصص في القراءات و التجويد الذي ولع بهما ولعا شديدا و تعلق بهما حتى كان لا يرى إلا وهو يطالع الكتب المتعلقة بهما و يهتم اهتماما كبيرا بكل ما يتعلق بهذين الفرعين الشريفين ، و نظرا لسيرته الحسنة و لجده و اجتهاده فقد كان محبوبا من طرفا أساتذته في الزيتونة ، محترما من طرف زملائه ،

شيوخه :

تلقى العلم على يد شيوخ أجلاء بجامع الزيتونة الاعظم ، لكننا نلاحظ انه من المشائخ الذين بقي يذكر فضلهم و يشيد بجهودهم العلمية و بمساعدتهم له في دروسه و تحصيله العلمي و يذكرهم بكل إعجاب و تقدير :
-
الشيخ عبد الواحد المرغني
-
الشيخ البيجاني زفزون.
-
الشيخ علي التريكي.
-
الشيخ صالح الكسراوي
و كل هؤلاء من شيوخ القراءات .
و من المعلوم ان عنايته بعلوم القرآن الكريم و القراءات و التجويد جعلته لا يذكر مشايخه في علوم العربية و الشريعة إلا قليلا .

عودته الى ارض الوطن :

بالرغم من استقرار الأسرة في تونس و تكيفها مع الحياة و تطلعها الى غد مشرق ، لكنه آثر ان يعود الى بلاده و بالضبط إلى مسقط راسه ، و قد أصبح حديث أهل قريته بعد أن القى درسا بزاوية القرية (تيفريت نايت الحاج ) باللغة العربية الفصحى ، حيث ان الناس في تلك الأيام رغم أنهم امازيغ لا يتكلمون إلا اللهجة الامازيغية إلا أنهم كانوا يقدسون و يعشقون اللغة العربية لأنها لغة القرآن الكريم و يبالغون في تقدير و احترام كل من يحسنها و يجيدها و ينظرون اليه نظرة اكبار و احترام و لو كانوا لا يفهمون منها إلا القليل ، فقد استمع إليه المصلين الذين حضروا درسه و راحو يحدثون عائلاتهم و أسرهم بكل دهشة و انبهار عن هذا الشاب الذي جاء من تونس و خطب فيهم دون أن يتلعثم أو يتلكأ و الذي لم يحضر معه ورقة أو كتاب ينظر إليه.

اجازاته :

اجازه علماء اجلاء من تونس و الجزائر لما علموه منه من انه علَمَ على ثروة فخمة من علوم القرآن الكريم و الحديث الشريف ، تجمعت له بالحفظ و الدرس و التحصيل و التمحيص ، و مجالسة اعلام هذا الفن ، اضافة الى ذلك كله انه كان ثقة فيما ينقل و ما يقول، جيد النفكير سليم المنطق ، بعيدا عن التكلف و التطبع ، شديد الرغبة في نفع الناس و افادتهم ،
فمن اجازه أستاذه العلامة الشيخ عبد الواحد المرغني المدرس بجامع الزيتونة الذي اجازه في علم القراءات
العلامة الشيخ الشاذلي النيفر الأستاذ بجامع الزيتونة الذي أجازه بكل مروباته .
العلامة الشيخ علي بن خوجة المفتي بالديار التونسية الذي أجازه برواية صحيح البخاري
العلامة الشيخ بابا عمر الذي أجازه بالصحيحين و موطأ الإمام مالك و هذا نص اجازته :
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و على آله وسلم و بعد :
فيقول العبد المعترف بالعجز و التقصير ، أسير ذنبه ، الملتجئ إلى ربه ، محمد بن مصطفى بن محمد بن المدني بن الشيخ بابا عمر ، إن أخانا في الله ، المتمسك بسنة رسول الله [ صلى الله عليه و على آله وسلم ] الطالب الأجل التالي لكتاب الله عز وجل ، الفقيه النبيه ، الأديب النزيه ، السيد محمد بن أحمد بن محمد الحاج السعيد كتو قد لازمني حرارا عديدة ، وجاورني أزمنة مديدة مباركة سعيدة ، سمعت منه قراءة صحيح البخاري ، و أطلعت على ترتيل قراءته و حسن تأديته و نباهته و نجابته ، تولى الله حفظه و سعادته ، و أجمل سيرته و سيادته ، فطلب من العبد الفقير اتصال سنده بطريق الإجازة ظنا منه بحسن طويتي الكمال ، معتقدا ان العبد الحقير ممن يتعلق به في هذا المجال ، حقق الله لنا و له ما نرجوه من الكريم المتعال....)ز كتب بتاريخ 28 جمادى الاولى عام 1392 هـ.
و كل الإجازات احتوت تنويها بمواهب الشيخ و خصائصه و حسن أخلاقه و أدبه ، و إشادة بغزارة علمه و طول باعه فيما أجيز فيه ، و أملا أن ينفع العباد و البلاد ، و أن يحقق آمال مشايخه فيه.

نشاطاته :

تعددت مجالات نشاطاته و تنوعت، فكان شعلة من النشاط يسير على منهج واضح لا يحيد عنه، من ثبات في العقيدة و نزاهة في النفس و علو همة و خشية لله في كل صغيرة و كبيرة و توزعت نشاطاته على :
-
دروس الوعظ و الإرشاد في المساجد و المصليات في كل مساجد القطر الجزائري.
-
الدروس التي كان يلقيها تحت عنوان " الحديث الديني " في التلفزة و الإذاعة الجزائريتين و التي نفع الله بهما العباد و البلاد .
-
تدريس علم القراءات و التجويد بمعهد تكوين الأئمة التابع لوزارة الشؤون الدينية الجزائرية.
-
المشاركة بصفة شخصية او ممثلا للجزائر في المؤتمرات و الندوات و المسابقات الدينية التي بنظم في الدول الإسلامية.
و نظرا لتمكنه من علم القراءات و التجويد فقد اختارته الرابطة العالمية الإسلامية للقراء و المجودين ليكون عضوا فعالا فيها.

وفاته :

مرض الشيخ في أواخر حياته ، فلزم بيته بمسكنه بالمرادية ( الجزائر العاصمة) فترة يزوره أصدقاؤه و تلامذته إلى أن توفاه الله يوم 30 أكتوبر 1999م ، و شيعت جنازته إلى مقبرة سيدي يحي بالعاصمة الجزائر ، و قد حضر جنازته خلق كثير من العلماء و الطلبة و طبقات مختلفة من الناس ، و أبنه الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين - حفظه الله – بكلمة مؤثرة، فرحمه الله و اسكنه فسيح جنانه.

معظم مادة هذه الترجمة من كتاب " أعلام من منطقة القبائل " الجزء الأول للمفسر و اللغوي الأديب محمد الصالح الصديق – حفظه الله – طبع : ديوان المطبوعات الجامعية 2007 م